علي شايع
وسط الضجيج السياسي، تمرُّ أخبار كارثية دونما انتباه أحد، وهي بالأصل أس مشكلتنا وأساسها المرتبط بمتلازمة المال السائب والفساد المُعرقلة لمسيرة البلاد؛ خبر صاعق نشر مؤخراً يؤكد عدم وصول الكشوف الختامية لحسابات حكوماتنا السابقة للسنوات الثماني الماضية الى مجلس
النواب!.
ثمة قرارات مهمة، تَبيَّنَ إن الحكومة أول من يخالفها!، والأمر لا ينطبق على الحكومة الجديدة بواقع قصر عمرها الفعلي، وبحدود القضية التي نتحدث عنها، لكن القانون يتعامل مع الحكومة بمسمى واحد، إذن فالحكومة ملزمة بإرسال حسابات 8 سنوات مضت لمجلس النواب، إثباتاً للجدية ببرنامج مكافحة الفساد وملاحقة أطرافه، ولتعزيز ثقافة الشفافية والحرص على المال
العام.
والأسئلة المهمة هنا: كيف تمّت المصادقة على الموازنات المالية الماضية دون كشوف تفصيلية لحسابات الوزارات السابقة؟. وكيف تعاقبت الحكومات على ارتكاب الخطأ؟!. وهل من سبيل لتعقب الخطأ الموهن لكلّ ما
تلاه؟.
في أخبار السنوات السابقة، تكرّر الحديث عن إجراءات لهيئة النزاهة أبعد من سعيها لكشف الحسابات العامة، باستحداث قانون لكشف ذمم المسؤولين المالية، لكن تقريرها نهاية العام 2019 بيّن رفض 265 مسؤولاً كشف ممتلكاتهم، وسمعنا عن إجراءات قانونية مالية وجزائية لازمة وموجبة، لوحت النزاهة باتخاذها بحق الممتنعين والمتخلفين.. لكنها سُوِّفَتْ حبراً على
ورق!.
من طريف وقائع دهور الأمم السالفة إن أي عمدة بلدة في بريطانيا كان يُوزن قبل تعيينه، وبعد تركه المنصب، فيحاسب على ما أُترف
فيه!.
طاغيتنا، حاول استنساخ التقليد شكلياً لترشيق رفاقه، وشتان ما بين تجربة الذمم النزيهة، والضمائر الخربة
أصلاً.
في دول الإتحاد الأوروبي، مثلاً، ذمم المسؤولين مشروطة الكشف سلفاً، وكان شرط انضمام أي بلد جديد بكشف حسابات الدولة العامة، لتكون ميسورة ليس للمعنيين والباحثين فحسب، بل لكلّ مواطن (ناخب) في الإتحاد؛ للإطلاع
والرأي!.
ثماني سنوات بالعدّ والتمام ولم تصل حسابات حكوماتنا السابقة الى اللجان النيابية المكلفة، فهل سنطمح بعدها بكشف لذمم المسؤولين؟!. وهل تتهاون المطامح من كشف الذمم الفردية الى كشفٍ
مجملٍ.
سنقبله! على أساه، لكنه لم يتحقق، وحسبنا قول الجواهري: يا دجلة الخير قد هانت مطامحنا..حتى لأدنى طماح غير
مضمون!.