أحمد حسين
ليس من الصعب تغيير أخلاقيات الفرد، فبمجرد أن تسلبه مصدر رزقه سيضطر إلى التنازل عن بعض القيم والمبادئ العليا التي قد تحول بينه وبين رغيف الخبز، ثم بضغط أكبر يمكنك أن تدفعه إلى التخلي عن الكثير مما يؤمن به، سلطان الجوع والعوز جبّار لا رادع له، هذا أمر لا خلاف عليه، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأسرة وليس بالفرد نفسه.
لكن هل تحطيم الفرد ومحو كل قيمه ومبادئه ومن ثم مسخه، أمر ممكن؟، نعم والشواهد التاريخية أكثر من أن تعد، ونحن في العراق نعيشها منذ عقود من الزمن، بدأ الأمر منذ تسعينيات القرن الماضي تحت غطاء الحصار الاقتصادي الذي لم تكتوِ بناره سوى الطبقات المسحوقة والمتوسطة، منذ ذلك الحين بدأ تحطيم الفرد العراقي بمعاول النظام الهمجي المتوحش وفقاً لمخطط رسمته إدارة شريرة تحت مسمى العقوبات الاقتصادية للنظام. عقد التسعينيات الأسود لم ينجح فقط في تحطيم الفرد بل حطم المجتمع العراقي، باستثناء المعصومين بحبل النظام والمترفين، ومن ذلك الرحم الموبوء ولدت أجيال منهوكة فكرياً لا تقوى على مقاومة المغريات، وأجيال ذبلت مراهقتها وشبابها في حقبة الانهيار والتفكك تلك، لذا استقبلنا حقبة سقوط النظام بنماذج من عينات التنظيمات الإرهابية وعصابات والإتجار بالبشر والمخدرات والقتل الوحشي واغتصاب الأطفال وجرائم لم نسمع بها سابقاً وما كنّا لنتخيل حدوثها في
العراق.
أيضاً أنتجت حقبة التسعينيات المظلمة ما نراه الآن من جموع تبحث عن زعامات افتراضية لتتبعها، ولا تكتفي بذلك بل تحولها إلى أصنام مقدسة مجرد الإشارة إليها تعد تجديفاً وتطاولاً عقوبته الموت أو الإهانة والإذلال.
لذا ليس من المستغرب في أيامنا هذه أن يتحول اللص والفاسد والمرتشي إلى رمز محاط بهالة قدسية تشع نوراً، ويصبح النزيه والشريف ومن يحترم وظيفته ويحرص على مجتمعه ودولته إنساناً متآمراً متصيداً بالماء العكر عميلاً لدولة ما أو محسوباً على النظام المقبور، ولا غرابة أن تضيع أصوات الشرفاء والمخلصين والوطنيين وسط صدى وضجيج الماكينات الإعلامية للفاسدين والقتلة. حقبة التسعينيات نجحت في تحطيم الفرد وهدم الدولة وجاءت حقبة ما بعد السقوط لتكمل مسيرة الخراب، ولإعادة بناء الدولة العراقية علينا أولاً إعادة تأهيل الفرد العراقي وإصلاح المجتمع.