جاسم الحلفي
يتهرب المتنفذون من اتّباع الحلول التي وضعتها الانتفاضة للخروج من الاحتقان السياسي، وبهذا فإنهم يفاقمون من وتيرة الازمة، فاستحقاقات تغيير بنية النظام وإصلاح وظائفه هي أولية غير قابلة للتسويف، وأي تأخير في ذلك سيشكل مخاطرة طائشة غير محسوبة النتائج.
إن رهان الطبقة السياسية، مرة على انحسار فعل الاحتجاج ورقعته، ومرة أخرى على عامل الوقت هو رهان خاسر، فالوقت ليس محايدا، بل قد ينقلب ضدها، في أي لحظة ثورية مقبلة. فحساب الزمن الفيزيائي، كعد الأيام والأشهر هو حساب لا يستقيم في لحظات الصراع السياسي – الاجتماعي، هناك زمن آخر لا تبصره الذهنية المأزومة، هو الزمن الاجتماعي الذي ستفاجأ به السلطة السياسية، إذ المتوقع ان تتجدد الانتفاضة بالشكل والمحتوى والاتجاه والزخم، عند ذلك لا يفيد الندم ولن ينفع الاستدراك.
ولعلَّ آخر منتوج لعقل المتنفذين، هو الدوائر المتوسطة، في محاولة التفاف على مطلب الانتخابات المبكرة التي وضعتها الانتفاضة كمدخل لكسر احتكار السلطة، عبر إزاحة الفاسدين والفاشلين.
وحينما وضع المنتفضون الانتخابات كأولية في خارطة الطريق للخروج من الازمة وكخطوة من خطوات التغيير، إنما وضعوها بشرطها
وشروطها.
فمثلا مطلب قانون الانتخابات العادل والمنصف هو عنوان واحد فقط من عناوين عديدة، تبدأ بتوفير بيئة سياسية وأمنية ملائمة للمشاركة الانتخابية، تمر عبر محاكمة القتلة والفاسدين، ومنعهم من المشاركة في الانتخابات، الى جانب تأمين إشراف دولي فعال، فضلا عن عوامل أخرى تضمن انتخابات حرة ونزيهة.
يعجز عقل السلطة عن إدراك ما سببوه من أوجاع وما خلفت سياساتهم من كوارث، وما أنتج نهج المحاصصة الذي رسخوه من فساد، وإدارتهم من فشل على جميع الأصعدة، في الوقت الذي نرى فيه أن أزمة النظام السياسي أزمة بنيوية، وأن احزاب السلطة المصابة بالزهايمر لا تدرك أن للفشل كلفة عليها دفعها، بترك السلطة لقوى التغيير والإصلاح والاعتدال.
وإذا ما بقت متمترسة بتجبرها، وتصم آذانها عن المطالبات، فهي بهذا تصر على إبقاء الازمات مفتوحة، دون أن تفكر بمخاطر تمسكها بالسلطة وفق الطريقة التي أوصلت البلد الى حافة الهاوية.
وعليها ان تدرك أن وقتها قد شارف على الانتهاء.