يعد الصيد بالصنارة (الشص)، إحدى طرق الصيد القديمة التي يمارسها البعض كهواية، تجلب لهم المتعة في أوقات الفراغ، وعند البعض الآخر تعد حرفة يعتاش منها، إذا كانت هي مصدر رزقه الوحيد، فصيد السمك بالصنارة لا تضاهيه متعة، وما أن يرميها بحركة سلسة، حتى يجلس متأملاً الحياة وجمال النهر وينتظر الفوز بالتقاط السمك وصيده.
أقدم صياد
رزاق فليح واحد من أقدم صيادي السمك في الناصرية، بدأ كهاوٍ قبل أكثر من اربعين عاماً، يوم كان صبياً يذهب مع أقرانه إلى الفرات ليصطادوا السمك، بعدها أصبح صياداً محترفاً، فالصنارة هي مصدر رزقه الوحيد، فما بين جرف الفرات والصنارة العالقة بالنهر يقضي رزاق فليح كل وقته، لا يفارق الجرف وأحيانا يسرقه الوقت حتى صباح اليوم الثاني، وكم أحرقته شمس الصيف وغيرت من ملامحه في أوقات الموسم.
"الدهلة"
يقول رزاق فليح "الصيد اليوم يختلف عما كان في السابق بسبب قلة مناسيب المياه، وعدم اختلاط مياه نهري دجلة والفرات مثل ما كانت أيام السبعينيات، فمياه دجلة العذبة( الدهلة) تجلب معها أنواع الأسماك وبكثرة، ومنها الحمري والزبيدي والسمتي والبني والقطان والشبوط وغيرها، وهي متوفرة عادة في الأنهر العراقية".
أنواع الأسماك
ويتابع فليح حديثه عن الصيد أيام زمان في المحافظة ويقول: "يوم كانت المسناة عالية، لان مياه الفرات كانت مرتفعة مناسيبها، وكنا نجلس عادة على احدى (دوب) جسر الخشب القديم الذي كان قائما آنذاك، ليتسنى لنا الصيد في الأماكن العميقة، لان الصيد بالصنارة عادة للأسماك الكبيرة التي تكون في المياه العميقة، ولان الأسماك الصغيرة (الزوري) تصطاد بواسطة شباك خاصة (السلية)، وأتذكر الكثير من الأصدقاء الذين كانوا معي، فمنهم من رحل وآخرون مازالوا أحياء يمارسون المهنة إلى اليوم".
مصدر رزق
ويردف الصياد رزاق جلبت لي هذه الحرفة الخبرة الكبيرة، فالكثير من الأصدقاء يستشيرونني في أشياء تخص الصيد بالصنارة منها عمل عجينة خاصة للصيد (الطِعم)، التي تتكون من مادة الدقيق مدعوكة بالبهارات أو الفلفل ، حتى تعطي نكهة تتلذذ بها السمكة".
ويتابع حديثه عن أدوات الصيد الخاصة، ويقول: "ان الصنارة تكون أحجامها مختلفة حسب حجم السمكة، فالأسماك الكبيرة نستخدم لها صنارة حجم 12وحجم 10 (الفولا) للأسماك المتوسطة والصغيرة، اذ يجب أن تكون الصنارة مصنوعة من مادة الفافون، حتى لا تنكسر مثل مادة "الاستيل"، وتقاوم ردة فعل السمكة، خصوصاً إذا كانت كبيرة، والخيط المصنوع من مادة "النايلون" يكون غير قابل للقطع بطول (100-500م)، وثقل صغير من مادة الرصاص أيضا، وجميعها متوفرة لدي، ابيعها على الصيادين، بل إن بعض الهواة والمبتدئين يأتون إلى بيتي الذي تحول إلى مكان لتجمع الصيادين لشراء أدوات الصيد، واكتساب المهارة وسماع المشورة".
"الشانك"
يقول صالح مهدي (60عاماً)، "مارست الصيد بالصنارة منذ شبابي، وهي هواية ممتعة بالنسبة لي، فضلاً عن أنها تجلب لي رزقاً مما اصطاده من الأسماك يوميا، لكن اليوم أصبحت كميات الأسماك التي نصطادها قليلة، بسبب نوع من الأسماك تم جلبه من خارج العراق، واطلق في الأنهر العراقية بهدف التكاثر وتنوع البيئة، ولكن هذا النوع من الأسماك، وهو المعروف محلياً بـ(الشانك) بات يهدد الأسماك الأخرى، فهو يمتاز بأسنان حادة وقوية، تلتهم الأسماك الصغيرة والبيوض معاً".
صيد جائر
ويضيف مهدي "هناك طرق جائرة للصيد بواسطة الأسلاك الكهربائية، أو استخدام المواد السامة التي تقتل كل الأحياء المائية، وهي في الوقت نفسه تفسد متعة الصيد بالصنارة".
يوجه صالح مهدي دعوة إلى الجهات المعنية في وزارة الزراعة، ويقول بالم " عليها أن تضع حداً لهذه الطرق الجائرة والمجحفة بحق الطبيعة، والتي تهدد الثروة السمكية في البلاد".
تقاعد
ويضيف الحاج أبو حوراء(62 عاماً) "إن الصيد بالصنارة هوايتي المفضلة، فقد كنت أمارسه سابقاً، ولكن انشغالي في العمل الوظيفي ابعدني عنها، لكني عدت اليوم إلى ممارسة هوايتي القديمة، بعد أن تقاعدت عن الوظيفة، وهي من الهوايات الجميلة التي تبعدك عن ضجيج المقاهي وصخب المدينة وزحامها، وتجعلك في أجواء الطبيعة الصافية بين الخضرة والنهر".