محمد شريف أبو ميسم
عادة ما يكون لبرامج اصلاح المالية العامة أثر بالغ في التشكيلات المجتمعية والأفراد في مرحلة التكيف التي تشهدها البلدان، التي تنتقل من اقتصاد الدولة الى اقتصاد السوق، فيكون الاجتهاد مطلبا للبحث عن أفكار تدعو الجميع للتكافل بهدف تقليل تداعيات ذلك الأثر على الطبقات الفقيرة والمهمشة.
وقد عمدت عموم الدول التي خاضت هذه التجربة في الثلاثة العقود الماضية الى تشريع قانون التأمينات الاجتماعية، الذي تعتمده دول تنتهج نظام اقتصاد السوق الاجتماعي، ولكنها لم تستطع أن تختزل مرحلة التكيف بسبب تأخير تطبيق هذا القانون في سياق مفردات آلية الاصلاح المالي وأسبقيتها على اصلاح القطاعات الحقيقية، ذات الصلة بالانتاج وعلاقته بالطلب المحلي. وقد ورد في مسودة الورقة البيضاء، التي قدمتها خلية الطوارئ للاصلاح المالي، ما يشير الى إعداد "قانون التأمينات الاجتماعية". ومثل هذا القانون سبق أن أجازته حكومة السيد العبادي في العام 2017 ، وقدمت مسودته الى مجلس النواب ولكن ثمة معوقات مجهولة حالت دون تشريعه.
اليوم وفي ظل خطة الحكومة الرامية الى اصلاح نظام المالية العامة، يعد مثل هذا القانون ضرورة ملحة، ليس لأنه سيخلق بيئة محفزة باتجاه التحول نحو ليبرالية السوق وجعل الوظائف في القطاع الخاص على درجة من المقبولية لقوى العمل الضاغطة على القطاع العام. بل لأنه سيخفف الضغط على الوظائف الحكومية ويقلل من الاحتقان الجماهيري الناجم عن تراكمات عدم تكافؤ الفرص في المرحلة التي نضجت فيها الرساميل الخاصة، فضلا عن تحرير الموازنات العامة من المسؤوليات المالية لرواتب المتقاعدين. اذ ستجبى بموجب هذا القانون موارد مالية هائلة لصندوق التقاعد، من العاملين في القطاع العام والخاص والعاملين في اقتصاد الظل أو حتى العاطلين عن العمل الراغبين بالحصول على التقاعد، فضلا عما سيسهم به، بخصوص الحد من التهرب الضريبي، اذ سيضطر أرباب العمل الى تسجيل مشاريعهم في الجهات ذات العلاقة عند تنفيذ رغبة العاملين في اتمام معاملاتهم التقاعدية، وبالتالي فإنه سيضمن المزيد من التمويل لصندوق التقاعد والوعاء الضريبي بما يعظم الايرادات غير النفطية، مع ايقاف حالة الاستنزاف الناجمة عن الرواتب الكبيرة، التي يتقاضاها بعض المتقاعدين من دون غيرهم، وهنا نلفت الى أهمية اعطاء الأولوية لتشريع هذا القانون عند الشروع في تطبيقات الورقة البيضاء، لدعم آليات هذه الورقة واعطائها قبولا شعبيا.