نهى الصراف
في مقابلة تلفزيونيَّة سألوا فتاة صينيَّة.. بماذا تفكرين إذا سمعت كلمة "عرب"، فأجابت على الفور: "عيونهم واسعة ولغتهم صعبة جداً"! هذه الحكاية الطريفة تؤكد أنَّ كل إنسان يرى الأشياء من زاويته الخاصة وهو يعتقد بأنَّ الآخرين ينظرون بالطريقة ذاتها، فالفتاة الصينيَّة بالتأكيد تمتلك عينين مستديرتين صغيرتين إلى حدٍ ما مثل أغلبية أبناء جلدتها وهذا أمرٌ معروفٌ في نطاق المتعارف عليه بين أبناء المناطق الجنوبيَّة والوسطى في الصين ومنهم من يتصفون أيضاً بنعومة البشرة وصفائها، ثم وجه مستدير إضافة إلى أنف واسع قليلاً مع قصر القامة.
هذا من وجهة نظر عامة ربما تكفي لتصنيف الناس إلى صينيين وغيرهم، وكل ما هو خارج إطار هذا التصنيف يعدُّ غريباً. يصبغ هذا الوصف شيء من السطحية طبعاً لكن لا توجد طريقة أخرى للتمييز بين الشعوب سوى ما يتعلق منها بملامح الوجه وقوام الجسد.
من ناحية أخرى، فإنَّ تعقيد التراكيب والقواعد في اللغة العربيَّة معروفٌ لدى القاصي والداني لكنْ هذا بالطبع لا يقارن بصعوبة اللغة الصينية قراءة وكتابة بحسب رأي من حاولوا تعلمها من دون جدوى، كل هذا يأتي من وجهة نظرنا نحن الذين نتحدث العربيَّة، الأمر الذي لا يعني بقطعية الرأي، إذ إنَّ هناك دائماً الرأي الآخر وزاوية النظر الأخرى، فمن يقول إنَّ اللغة الصينيَّة أكثر صعوبة من العربية هل هو شخص صيني أم عربي؟ ومن يقول إنَّ الصينيين متشابهون والعرب يمتلكون عيوناً واسعة، هل هم أشخاص صينيون أم عرب؟
يبدو أنَّ هذه الإشكالية لا تقف عند حدٍ معين، فكل الشعوب لديها مواصفات خاصة في ما يتعلق بالملامح والمظهر العام، اللغة واللهجات، الثقافة، التقاليد والعادات، عادات الطعام، المعتقدات، حتى المحظورات والمسموحات تختلف على المقياس العام من شعبٍ إلى آخر، فما هو عيبٌ وملعونٌ لدى شعبٍ هو أمرٌ اعتياديٌّ ومسموحٌ به لدى شعبٍ آخر.
كلٌ يرى الناس بعينه، عين اعتادت على النظر إلى أشياءٍ محددة تشكلها الأحكام المسبقة والتربية ذات الاتجاه الواحد والخلفيَّة العلميَّة والاجتماعيَّة أيضاً، هذه العوامل التي تسهم في تحديد رسم عين الأحكام المسبقة، لا علاقة لها بالحدس ولا صوت القلب ولا قراءة الغيب. عدا ذلك، هناك عين ثانية يغذيها التطرف والحقد أو عدم تقبل الآخر ببساطة، عين متحيزة ترى النور من بعيد فلا تبصره ترتدي صاحبها مثل مصباحٍ أعمى فتفسد عليه حياته وحياة الآخرين.
يستخدم بعض الأشخاص أحكامهم القطعيَّة في مناسبات معينة وبحسب زاوية نظرهم الخاصة، للنيل من شريحة معينة من البشر والتقليل من شأنها وهم يتوقعون وربما يجزمون أنْ يبادلهم الآخرون المشاعر ذاتها أو في أقل تقدير فإنهم قد يتربصون بهم لسببٍ مجهول؛ في عرفهم هناك بشر يستحقون الاحتقار وهناك من هم أدنى منهم مرتبة، علّتهم في ذلك اختلاف لون البشرة، اختلاف المعتقد أو العيش في رقعة جغرافيَّة بعينها، وكل ما هو كفيل بوسم أصحابها بما يستحقون وما لا يستحقون، هذه هي العين الظالمة عينٌ طالما تباهت ببعد نظرها رغم أنَّ نظاراتها نصف مهشمة لا ترى سوى نصف المشهد.
وأما من حجبت عنه بصيرته فهو الذي لا ينظر إلى أبعد من أرنبة أنفه، ويكتفي بوضع نظارات داكنة على عين قلبه تمنع عنه النور فلا يرى غير نفسه ولا يشعر إلا بأنفاسه ولا يسمع سوى صوت أنانيته.