لم تعد ظاهرة الانتحار غريبة في مجتمعنا، كما كانت سابقاً، فأصبحنا نستمع بين الحين والآخر عبر وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة، او عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي عن حالات الانتحار التي تزايدت بشكل لافت في مجتمعنا في الآونة الاخيرة، اذ لا يكاد يمر شهر واحد من دون تسجيل حالة انتحار أو أكثر في عدد من المحافظات العراقية.
فهنا شاب أنهى حياته لأنه لم يحقق حلمه في الحصول على معدل يؤهله لدخول الجامعة التي يرغب فيها، وهناك امرأة أضرمت النار في جسدها نتيجة تعرضها للعنف اليومي من قبل زوجها او أهله، وغيرها من الحالات التي بدأت تثير القلق والاستغراب!
والمفارقة ان بعضاً من وسائل الاعلام وعدداً من مواقع التواصل الاجتماعي تبرر فعل الانتحار وتصف "المنتحر" بالشجاع الذي يستحق تسليط الضوء عليه، وربما تبرر فعلته، ما يجعل البعض من الشباب يقدم على مثل هذا الفعل، كي يلفت انتباه المجتمع لحالته، الأمر الذي يؤدي الى ازدياد هذه الظاهرة، بينما كان من الاجدر بتلك الوسائل الإعلامية أن تبثّ مواد تحمل رسائل تربويّة وأخلاقيّة تحث على نبذ هذه الظواهر، من خلال تقوية الوازع الديني.
فجميع الشرائع السماوية حرمت الانتحار، ومنها ديننا الحنيف الذي حرمه تحريماً قاطعاً، اذ قال تعالى﴿ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما) ليس هذا فحسب، إنما بذل جهودا للحد منه، وهذا يتطلب التنسيق والتعاون بين العديد من قطاعات المجتمع، فضلا عن منظمات المجتمع المدني، للوقوف على الاسباب ووضع الحلول الناجعة للقضاء على هذه الظاهرة التي تعكس واقعا غريبا عن مجتمعنا، و يعزو علماء النفس ظاهرة الانتحار الى عدة أسباب منها: اقتصادية، واجتماعية، ونفسية، اذ تشكل الاخيرة نسبة 90 % من تلك الحالات، ووفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية يموت شخص كل 40 ثانية منتحراً، ومقابل كل شخص منتحر يوجد أكثر من 20 شخصاً حاولوا انهاء حياتهم ، ويبلغ عدد ضحايا هذه الظاهرة المأساوية 800 ألف شخص، مع ملاحظة عدم تسجيل كثير من هذه الحالات؛ لأسباب تتعلق بالثقافة المجتمعية وعدم إفصاح الأهل بأن الوفاة كانت
انتحاراً.