زهير كاظم عبود
أعلن بتاريخ الثالث عشر من شهر (آب) 2020 عن توقيع اتفاقية مشتركة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وبين إسرائيل (اتفاقية إبراهيم)، تتضمن التطبيع الكامل للعلاقات بينهما، وسيتبع ذلك توقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بالاستثمار، والسياحة، والأمن، والاتصالات، والطاقة والتكنولوجيا، والرعاية الصحية، والثقافة، والبيئة، وتبادل السفراء، ومنافع أخرى، وتمت الاتفاقية تحت رعاية الولايات المتحدة الأميركية. وقد انقسمت اراء السياسيين والمحللين العرب بين من عدّ أن هذه الاتفاقية تطبيعا مع دولة عدوة ومحتلة وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وأن هذا الاتفاق يعد مروقا وخروجا عن الإجماع العربي والموقف من وجود دولة تحتل كامل التراب الفلسطيني بالقوة وتتعامل بقسوة ومرارة ضد شعب فلسطين والتجاوز على حقوقه المسلوبة، وبين من عدّ هذه الاتفاقية خطوة لترسيخ أسس السلام والإقرار بالأمر الواقع، وأن هناك العديد من الدول العربية لها علاقات مثل هذه العلاقة التي أقدمت عليها دولة الأمارات، كما أن عددا من الحكام العرب ممن لهم علاقات مبطنة وسرية غير معلنة مع دولة إسرائيل بعد ان قامت جمهورية مصر العربية (1979) والمملكة الأردنية الهاشمية (1994) بمثل هذا الاتفاق مع دولة الكيان الصهيوني، وهناك من عد الاتفاقية نكوصا عن موقف العرب الداعم للقضية الفلسطينية، في حين أن الامارات العربية المتحدة تبرر أن هذه الاتفاقية ستضمن إيقاف وتعليق ضم الأراضي الفلسطينية وخصوصا مناطق
غور الأردن في الضفة الغربية من قبل إسرائيل، وهو ما يقوض مساعي السلام في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها خطوة باتجاه تفعيل التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإنجاح بنود الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن الوقت حان لإنجاح الحوار العربي الإسرائيلي وصولا الى سلام دائم في المنطقة، وان هناك رعاية أميركية لهذا الاتفاق ولضمان الالتزامات التي يرتبها على
الطرفين.
واستنكرت القيادة الفلسطينية رافضة مثل هذه الاتفاقية كما عدت هذه الخطوة نسفًا للمبادرة العربية للسلام وقرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية وعدوانا على الشعب الفلسطيني، ورحبت كل من جمهورية مصر العربية ومملكة البحرين وسلطنة عمان بهذه الاتفاقية وتأييدها للخطوات التي اتخذتها دولة الإمارات، إلا أن قرار دولة الامارات العربية المتحدة وإن كان شأنا داخليا وفق سياسة ورؤى حكومة الامارات العربية المتحدة، ولن يكون الوقوف ضده أو أي إجراء سياسي آخر مجديا أو له تأثير سلبي على اتخاذه والاستمرار بتنفيذ بنوده، وأن اجتماعات الجامعة العربية وأي محفل آخر لا يعدو إلا موقفا أدبيا لايمكن أن يكون له تأثير فعلي على مثل تلك الخطوة التي اتخذتها الامارات التي تعد أول دولة خليجية تعلن صراحة مثل هذا الاتفاق.
إن هذا الاتفاق يمثل الاتفاق الثالث بين الدول العربية ودولة إسرائيل منذ قيام دولة الكيان الصهيوني في العام 1948، إذ وقعت مصر ثم الأردن وبعدها الامارات.
ولسنا بصدد تحليل او مناقشة صواب هذا القرار ومقدار ما يحققه من مصلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة وللدولة الفلسطينية ولقضية السلام بشكل عام، غير أن إشكالا يفرض نفسه بشكل سافر على مثل هذه الاتفاقيات بين العرب واسرائيل، إذ يقتضي الأمر أن يتم عزف السلام الجمهوري لاسرائيل في المطارات العربية التي سيزورها حكام هذه الدولة.
السلام الجمهوري يتضمن ((ليرتعد من هو عدو لنا..... ليرتعد سكان مصر وكنعان.. ليرتعد سكان بابل، ليخيم على سمائهم الذعر والرعب معا، حين نغرس رماحنا في صدورهم، ونرى دماءهم تراق، ورؤوسهم مقطوعة، وعندئذ نكون شعب الله المختار حيث أراد الله)).
فإذا كانت هذه الكلمات تعبر عن الحلم الصهيوني فهل يستوجب علينا كعرب ان نؤكد لهم بأننا نرتعد، وأن رؤوس أولادنا مقطوعة، وأن الدماء ستراق، وان حناجرنا وأجهزتنا الموسيقية لن تتوقف من العزف فوق جراحانا.
وإذا كنا نفرط بحق شعب فلسطين، وان نركع ونخضع لسلطان حكام الدول الكبرى ورعاية مصالحها، وان نقر بأن أمرا واقعا سيلزمنا أن نتوقف عن كل تلك الشعارات والتضحيات وقوافل الشهداء، لنا الحق بأن نرفض من يريد إراقة دماء شبابنا، وان يتلذذ بقطع رؤوس رجالنا وفتياتنا، وان يبقى الخوف والرعب والذل والخيبة والذعر من نصيبنا
دوما.