إن تطور العلوم، واكتشاف التجارب الرقمية أبرزت لنا مصطلحات جديدة تتماشى مع الواقع الحالي، منها الواقع الافتراضي المرتبط بالشبكة الإلكترونية، وقد أكد الكثير من المفكرين على خيار الألفية الثالثة المرتبطة بآلية استخدام التقنية المعنية بعلوم التكنولوجيا، وسرعة تطورها لأنها العملية المتفردة لاكتشاف الكيفية التي تعمل على تنظيم شؤون العالم الواقعي، والذي فرض أسلوباً مغايراً للعرض المسرحي.
أحاول من خلال ذلك تسليط الضوء على أهمية العرض المسرحي المباشر والموجه إلى الجمهور، والعرض الافتراضي المقدم عبر "منصة اون لاين" عن بعد، والذي فرضته جائحة كورونا، بشكل كبير، واحدثت العزلة التي أكدت أن فن المسرح لا يحيا إلا بالجمهور وداخل فضاء العرض "الصالة"، مما دفع ذلك إلى تعدد الآراء بين مؤيد وآخر رافض لمسرح "أون لاين" الذي فرضته الجائحة على هذا الفضاء.
هناك من يؤكد أن كثيرا من المشاهد في مسرح المنصة الافتراضية، تكون شبه مرتجلة وعفوية وليست مبنية على تأمل موضوعي او فكرة حقيقية، وكأن أحداث المسرحية جمعت لتكون حاضرة فقط بدون إبداع، مجرد عمل فني غاب عنه الحس الجمالي، كما أن البعض يرى في هذه العروض خدعة تقنية، تبتعد عن صناعة الفعل بشكل يلامس مخيلة وذائقة المتلقي، حتى وأن تضمن هذا النظام "الإلكتروني" مجموعة من الشخصيات التي تخلق عالماً مصطنعاً مشابهاً لعالم العرض المسرحي الحقيقي، والذي يظهر لنا عن طريق توليفات المؤثرات الحسية والأصوات التي تشكل بمجموعها عالماً افتراضياً مشابهاً للحقيقة، فضلا عن خلق جلسات نقدية تعتمد بشكل أساسي على النقاش والحوار التفاعلي المتبادل بين لجان النقد وايضا التحكيم، ومداخلات الجمهور المشارك في صناعة هذه العملية الجمالية، وهناك من يؤكد في عروض هذه المنصات على انخفاض التكلفة وتغطية أمكنة واسعة للمشاهدة دون قيود، وسرعة التعامل والاستجابة، إلا أنه رغم فاعلية هذه المنصات وأهمية العروض، لكنها لا تخلو من السلبيات التي تعيق من عملية البث، ووضوح المشاهدة أحياناً، وضعف شبكة الانترنت.
تبقى الآراء مختلفة بشأن ظاهرة مشاهدة المسرحيات عبر منصات "اون لاين" المتوفرة حاليا، والتي تعد بنظر البعض تكريسا للعزلة والابتعاد عن الفرجة التي تضع الجمهور بتماسٍ مع فضاء العرض، بل تجعل لحظة اللقاء المسرحي شبه مستحيلة، وقد يعكس هذا الفراغ إرباكا في الحركة المسرحية وفعل المشاهدة المنتظم والمعتاد عليه المتلقي، ايضا حدوث صدمة وأضرار لن يتمكن المسرح من تجاوزها بسهولة وقد يستمر تأثيرها على مدى أزمنة مقبلة، ممكن أن يؤدي ذلك إلى إعادة النظر في العملية المسرحية فنياً وإبداعياً واجتماعياً وفكرياً وثقافياً، والأهم إنتاجياً، إذ ستنعكس هذه الظروف على عملية إنتاج المسرح وعلاقته مع الجمهور ومع المكان ومع الظروف المادية واللوجستية التي تؤثر بدورها في نوعية الإنتاج، وبشكل العرض المسرحي. يقول: الفنان المسرحي المغربي "عبد الكريم برشيد" إن كل هذا الرعب لا ينبغي أن يرعبنا، وكل هذا الذي يحدث اليوم لا يعني أبداً أن التاريخ قد انتهى، وأن المسرح انتهى، وأن الحدائق والساحات العمومية والفضاءات العامة لم يعد لوجودها مبرر، هي مرحلة استثنائية، في انتظار أن نعود إلى الحياة، وأن تعود إلينا الحياة، كما كانت، أو أجمل وأبهى مما كانت، وإذا نحن تغيرنا، استجابة لهذا الخواء الذي يهددنا، وإذا نحن فرطنا في فكرنا وفي علمنا وفي فننا وفي أجمل ما لدينا، فمعنى ذلك أننا قد انهزمنا، وأننا لا نستحق إنسانيتنا، ولا نستحق هذه الحضارة التي بناها الإنسان عبر تاريخه. المعركة إذن هي معركة وجود، أي نكون أو لا نكون، وأن نوجد كما نريد، وكما تشاء الحقيقة، وليس كما يُفرض
علينا.
أعتقد أن بث مجموعة من العروض المسرحية عبر منصات "اون لاين" تعد من الخطوات المميزة التي استحدثت في الزمن الحالي، الهدف منها توصيل لحظات الترفيه الفني والثقافي إلى الجمهور بشكل واسع، كما أنها تساعد على رسم اتجاهات جديدة تواكب تداعيات الفترة الحالية وتواصلها مع جيل التكنولوجيا وتأثيره في تلك العروض التي توقفت في صالات العرض بسبب الجائحة، هذا التوجه عبر المنصات الإلكترونية داعم لفئة واسعة من الجمهور، وحضوره يكمن في آلية صناعة العرض المسرحي بشكل يتماشى مع الزمن الحالي، حتى عودة العروض في أمكنتها الطبيعية، لذا يجب المحافظة على عروض المسرح عبر منصات "اون لاين" التقنية، والتي تعمل على دمج الواقع بالخيال بوساطة الأبعاد الثلاثية، كما أنها تسعى إلى نقل الوعي الإنساني لبيئة مغايرة، تحاكي الفرد حتى يشعر بأنه يعيش فيها، وقد تسمح له أحيانا بالتفاعل
معها.