يبين جلبير غرانغيوم أن النقطة الجوهرية في عمل بيار بورديو تتركز حول الهيمنة الذكورية في الثقافة، هل هي معطى طبيعي ام بناء تاريخي؟
يقدم بورديو قراءة سوسيولوجية تحليلية لازاحة الستار عن اللاشعور التاريخي، كاشفاُ ان الهيمنة الذكورية تشبع ممارستها على الصعيد الكوني باعتبارها ظاهرة حقيقية متجددة ليس في الاختلافات الجنسية، فحسب وانما في العلاقات الثقافية
والسياسية.
وهي نتيجة بناءات تاريخية مقامة انطلاقاً من عناصر متماثلة، سواء كانت في المجتمعات الاوروبية او المجتمعات العربية بصورة عامة او في المجتمع العراقي بصورة خاصة وتعود الى سلسلة من المتضادات والثنائيات بحسب التعارض والاندراج في نسق متجانسة، اعلى/ اسفل، فوق/ تحت، امام/ وراء يمين/ شمال، مستقيم/ مقوسى (مخادع)، جاف/ رطب صلب، رخو، مبهر/ باهت، مضيء/ معتم، خارج / داخل في لعبة لا تفنى من التحولات العملية والاستعارات وهي متباعدة بما فيه الكفاية لتضفي على كل واحد منها نوعاً من السمك الدلالي، حيث ان التصنيف الاول يرمز الى الذكورة، اما الثاني فهو يرمز الى الانوثة بوصفه معطى انثربولوجيا- ثقافيا حيث يتم من خلال هذه الثنائيات وضع الرجل في المركز اما الانثى فقد يتم وضعها في
الهامش.
الهيمنة والخضوع والتبادل الاجتماعي
ان النظام الاجتماعي يشتغل باعتباره آلة رمزية ضخمة تصبو الى المصادقة على الهيمنة الذكورية التي يتأسس عليها التقسيم الاجتماعي للعمل والتوزيع الصارم للنشاطات الممنوحة لكل واحد، هذه العملية لست نتيجة ضمنية للبيولوجيا وانما يمكن فهمها وفق الاجتماع البشري والتنوع الاجتماعي، والذي يحول هذا الاختلاف الى علاقة تراتبية هرمية داخل عالم الهيمنة.
حيث يحلل بيار بورديو آليات الهيمنة والخضوع والتبادل الاجتماعي والتساؤل النقدي عما هي الآليات التاريخية المسؤولة عن نزعة التأبيد النسبي لهذه الهيمنة والتي هي نتاج عمل التاريخ والمؤسسات (العائلة، الدولة، المدرسة) والتي يمكن ان تكون مختلفة في وزنها النسبي ووظائفها في الحقب التاريخية عبر سلسلة من الانظمة التحريمات البطرياركية، فضلاً عن هيمنة ستراتيجية اقتصاد المتاع الرمزي حيث يتم تبادل النساء في اقتصاد الممتلكات الرمزية بوصف النساء علامات او سلع قابل للتواصل وعدم الفصل عن ادوات الهيمنة في المجتمعات البيطرياكية، في حين ترسم المعجمية اللغوية العربية المسألة بشكل دقيق وذلك في تحديد تعريف الانثى بوصفها خلافا للذكر في كل شيء، اما المدونات الدستورية في العالم العربي بشكل عام والعراق بشكل خاص فهي تجسيد واضح لهيمنة السلطة البيطرياركية في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية.
الهيمنة الرمزية الذكورية
في الكشف عن الهيمنة الرمزية الذكورية داخل بنية الثقافة العراقية نرى كيف تؤثر الأساطير والاديان والثقافة الشائعة على الطريقة التي ترى بها المرأة، مؤكدة أن أغلب ما نظر له يعود في الأصل إلى مصادر ذكورية، حيث ان الاساطير تقدم نظاما اجتماعيا مرغوبا وتبقى الثقافات في القبضة المحكمة لحكاياتها، فهي تحديد وظيفة المرأة كأداة للاستعمالات الجنسية والتي تعود هذه المسألة اصلاً الى البنية الدينية كهوية وبراكسيس سياسي، فضلاً عن الشروط الاجتماعية، حيث نرى ان العلاقات بين ذكورة/ انوثة في المجتمع العراقي قائمة على هرمية تراتبية وتتغذى باستمرار من المرجعيات الدينية والسياسية المغلقة، وعلى ضوء هذه الفرضيات يتم اقصاء الانثى من الفضاء الثقافي العراقي وهيمنة العقل الذكوري، حيث تم احتكال اللغة التي تعبر عن والوجود الذكوري في تاريخ الثقافة العراقية وتم اقصاء الانثى من حقل التداول المعجمي والرمزي وتشكلت بفعل الايديولوجية الذكورية فضاء ثقافي وسياسي للهيمنة، حيث نجد أن الفضاء الثقافي العراقي يفتقد لحضور المرأة في مجال الكتابات الفكرية والفلسفية والنقدية مقارنة بالحضور في مجال الكتابات الشعرية، على الرغم من ذلك لم تظهر اسماء بارزة في هذا الحقل، (وهذا بحد ذاته يحتاج الى دراسة سوسيولوجية) هل يعني هذا بأن التفكير وظيفة ذكورية؟
اما هو العجز في استعمال لغة هي نتاج المركزية الذكورية؟ اما المسالة تتعلق بالبنيات الاجتماعية والاقتصادية وطبيعة السلطة الثقافية في تحجيم الادوار
والفاعليات.