أمجد ياسين
لا يمكن فهم التصعيد مهما كان نوعه واسلوبه الا دعوة للتفاوض، هكذا أثبتت أغلب محادثات السلام او التسويات السياسية في العالم، وتبقى الموازنة بين سلطة الميدان وسلطة الحكم أمرا شاقا جداً، فمن ذاق حلاوة طعم سلطة الميدان تغريه جرار عسل سلطة الحكم.
وما بين الاثنين فرق شاسع، فكر سلطة الحكم أوسع وأعمق، يفكر بالمستقبل والحاضر في الوقت نفسه، لذا تكون أحواله متقلبة، وتغيب عنه الملامح خلف المصالح كجزء من ديمومة البقاء، بينما سلطة الميدان تكون جامحة وآنية همها الحاضر بالدرجة الاساس، الفرق هذا يجعل الانتقال من الميدان/ السلاح الى السياسة أمرا غاية في الصعوبة ويحتاج الى وقت طويل. هذا اذا ما سلمنا جدلا انهما يشتركان بمفهوم الوطن والوطنية ووحدة التراب والمصالح.
في وضعنا العراقي الامر أكثر تعقيداً، مفهوم الولاء والعقيدة لبعض القوى يتقاطع مع مفهوم الوطن الوطنية، فالتفاوض بالانابة عن طرف خارجي في مفاوضات او تسويات داخلية، لا يشبه التفاوض بين أطرف داخلية لا علاقة او امتداد خارجي لها، قد تكون الكثير من المصالح والتوجهات مشتركة، ولكن تبقى خطوط الاشتراك مع الآخر الغريب في المنظور القريب او البعيد لا ربح فيها وخسارة بكل المقاييس. كما يفرض التفاوض أن تكون الاطراف نداً لبعضها او متكافئة، والا فإن في الامر طيات كثيرة مخفية، ستقلب المعادلة المؤقتة الن لاحقا بكل تأكيد.
إنَّ التصعيد الذي يشهده الوضع العراقي الآن، أشبه بلعبة من يجيد الضغط للجلوس والتفاوض، وتحديد زمان ومكان وحجم الطاولة وعدد المقاعد حولها، ولعل الهدنة التي تحدثت عنها بعض الفصائل المسلحة العراقية مع القوات الاميركية في العراق تدخل ضمن هذا الاطار، فعدم استقرار المنطقة سبب رئيس للفوضى التي نشهدها الآن، فضلا عن النفوذ الخارجي الكبير وتدخلاته بالشأن العراقي، ما يفرض علينا كعراقيين تقوية جبهتنا الداخلية والخارجية، بغير هذه المعادلة لن تكون الأمور في صالح العراق مستقبلا.
ومن ثم نتساءل، هل طلبت الدولة التفاوض بالنيابة عنها؟ واذا ما فشلت هذه الهدنة فعلى من ستقع تبعاتها؟ واذا ما نجحت، فماذا سيترتب على الدولة العراقية مستقبلا؟ إنَّ ميزان القوى هو الحكم الفصل في اي تفاوض مقبل، سواء داخليا كان ام خارجيا، وحيث تميل الكفة يميل، هكذا يخبرنا التاريخ، والا فإننا سنبقى في دوامة المعادلة القائمة الآن، الميدان وسطوته ام السلطة وجرار عسلها؟.