علي شايع
في مقطع فيديو متداول عالمياً، يظهر عازف آلة بيانو واضعاً يديه في قفازات طبية خاصة، بواسطتها استعاد قدرة العزف مجدّداً. فبعد انقطاع إجباري لسنوات طويلة تخللتها المعاناة، أسعفه التقدم الطبي من مواصلة هوايته.
حدث يوجب انتباهاً وتدويناً يحصي قدرة الطب الإنساني الرحبة. وكذا، كلمة حقّ وعرفان بجهود ملاكاته، يجد الشاهد فيها ذاته. قال: يا بُنَيَّ كيفَ تَجِدُكَ؟ قال: أَجدُنِي في الحَقِّ. وهنيئاَ له من مكان، هو خير محلٍ للإنصاف.
تجلى العازف بمشاعر جياشة، وهو يعزف مقطوعة أبدع فيها باتجاهين؛ إتقان العزف وبراعته، وإحساس موسيقي يظهر روح العازف دافقة من يديه، أبعد بمسافة كبيرة من خشب البيانو.
سعادة هذا العازف، تمنحنا شرف المسؤولية، بتدوين المنجز، في صفحة المبتهج المفتخر بإنسانية الحياة. ولعلّ الواجب، مشاركة الآخرين سرّ إنسان، عامل، مجدّ، مجهول، يكرّم بما يستحق، لمنحه الإنسان الآخر ثقة مستجدّة بوجوده، في محيط عادل لا يبخسه التثمين والتكريم والاقتداء.
إذن، فأفق الخير مأمول لمن يريد غاية إنسانية لا يطلب مجدها، فالتقييم لجهده محرز؛ إحراز خبير عارف، وبالطبع "لا ينبِّئُكَ مِثلُ خبِير"، فها أرفع التثمينات تتم بمنح جائزة نوبل لعام 2020 لأطباء في علم وظائف الأعضاء لما بذلوه من جهود بتشخيص واكتشاف لفيروس التهاب يصيب الكبد.
بالتأكيد أفضل العطاء ما لا ينتظر الجزاء، وأرقى الإنجاز ما كان لخدمة الإنسان لا التغالب والتفاضل، فالعلم نحتاجه في منفعة الغايات الأسمى. موقع عالمي يحصي الدول الأسرع في خدمة الإسعاف، ويبيّن عدد الدقائق المطلوبة في بلوغ سيارة الإسعاف هدفها المقصود في أبعد وأوعر الأمكنة. والبلدان في سعي حثيث للابتكار، ففي خبر طريف تعاقدت شركة "صناعات الجاذبية" مع خدمة الإسعاف الجوي البريطاني، لاكتشاف جهاز يمكّن طبيباً واحداً أن يطير. وأن يكون المسعف الطائر بديلاً للإسعاف الجوي في عموم بريطانيا. خبر مذهل الدلالة، فبهذه الوسيلة الجديدة فائدة يقر بها خبراؤهم؛ بوصول المسعف وبسرعة فائقة، لا تقارن والساعي على قدميه بمناطق وعرة.
الآن، وفي زمن الوباء بالأخصّ، تستحقّ الملاكات الطبية التثمين والثناء والتشجيع مضاعفاً؛ لإنتاج عزف طبي إنساني، لا عزفاً ونفوراً عن الإنسانية!.