موسوعة الينابيع!

آراء 2020/10/26
...

جواد علي كسار
خلال المئة سنة الأخيرة من تاريخ بلدنا مرّت على العراق أسماء فكرية كبيرة، انطلقت من الحاضنتين العلميتين الرئيستين؛ حاضرة النجف الأشرف والأكاديمية العراقية.
من بين هذه الأسماء التي استحضرها من الذاكرة بلا ترتيب خاص، محمد جواد البلاغي وهبة الدين الشهرستاني ومحمد رضا المظفر، وعبد الرزاق الحسني وجواد علي ومصطفى جواد وعلي الوردي، ومحمد تقي الحكيم ومحسن مهدي وياسين خليل، وعبد العزيز الدوري وحسام الدين الآلوسي وهادي العلوي، ونوري جعفر وجعفر آل ياسين وكامل مصطفى الشيبي، وطه باقر ومحمد حسن آل ياسين وباقر شريف القرشي، ومحمد تقي الحكيم وأحمد سوسة وعناد غزوان وعماد الدين خليل، وجواد شبر ومحسن عبد الحميد وحميد المطبعي ونعمان هادي الهيتي، وسلمان طعمة ومتعب مناف جاسم وعشرات غيرهم، ممن أسهم حثيثاً في بناء مجتمع المعرفة، وغذّى العقول، وأرسى معالم المشهد الفكري، وأشاد الهوية الثقافية الخاصة لبلدنا.
المشكلة أن حياة هذه الذوات موزعة على امتداد عقود كثيرة، وقد غابت آثارها، ولم تتجدّد طبعات مؤلفاتها خلا القليل منها. المطلوب أن تتحوّل هذه الأسماء إلى لبنات في تصميم مشهدٍ فكري متكامل، وتأسيس هوية ثقافية خاصة بالعراق. 
فكما نتحدّث عن تاريخ وطني حديث ومعاصر، قوامه رموز ووقائع ومواقف في السياسة والحياة العامة، كذلك ينبغي أن نتحدّث عن مجتمع معرفة، قوامه هذه الرموز وآثارها ومنجزاتها المعرفية والمنهجية، وما قدمته في عالم الفكر والثقافة، وهو ليس قليل أبداً، بل تكاد ثمار عقول هؤلاء الكرام، تفوق مكتسباتنا في عالم السياسة، ولا أقصد المقارنة وليس هذا
 مجالها.
المطلوب بناء المجال المعرفي الوطني، والهوية الفكرية الثقافية الخاصة التي نفخر بها جميعاً كعراقيين، من خلال هذه الرموز وعشرات أمثالها. وذلك لا يكون إلا بأعمال مركّبة ومتداخلة ومتعدّدة، احيائية ومنهجية وتقويمية، مهما اختلفنا في طبيعتها ومستوياتها ووسائلها، فنحن جميعاً نتفق على بداية واحدة، هي الخطوة الأولى التي لا بدّ منها، لكي نشرع بالعمل، ونخطو صوب بقية الخطوات؛ أقصد بها وجود آثار ومؤلفات هذه الرموز، أو البارز المهم
 منها.
من هنا دعوتي إلى «موسوعة الينابيع» وهو مشروع يأخذ على عاتقه إعادة طباعة أبرز إصدار لكلِّ واحدٍ من هذه الذوات المعرفية، موشح بمقدمة ضافية عن حياته وبيئته، مشفوعة بمدوناته وآثاره، والأهمّ من ذلك مشروعه الفكري، ومنجزاته على هذا
 الصعيد.
ومشروع «الينابيع» جربته أغلب دول العالم في الشرق وفي الغرب، حفاظاً على المراكمة المعرفية، وحرصاً على بناء الذاكرة وتواصل الأجيال، ولست أجد أفضل من وزارة الثقافة منبراً لهذا المشروع.