[I]
يقوم تساؤل التَّفكير على أربعة بداهات معرفية صريحة؛ على أقل تقدير، لا نقاش فيها:
I- تتمثَّل في أن الوظيفة الأساسيَّة للعقل تتمثَّل في بناء الفهمِ، اِنطلاقاً من أساسي الحُرِّيَّة، والتعدُّد.
II- تتمثَّل في أن [التعدُّد- في- الفهم] إنَّما هو التعدُّد في ممارسة وظائف العقل، اِنطلاقاً من الاِتجاهات والمدارس والتوجهات الفكريَّة المختلفة والمتعدِّدَةِ والمتنوِّعةِ داخل حقل بناء الفهمِ بالموضوعات المجتمعيَّة- التاريخيَّة.
III- تتضمَّنُ معنى [الحقيقة- في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، وبذلك تُصبِح الحقيقة، دائماً قَبْلِيَّاً، جزءًا من الحقيقة.
IV- تشتمل على معنى الاِفتراض، وبناء الفرضيَّة في ثُلاثيَّة [التَّساؤل- والتفكير- والفهم]؛ وتجاوز وهم الاِستقراء الكامل.
[II]
كما أن التكفير يقوم على، أربعة بداهات معرفية، على أقل تقدير، هي هذه:
- I اِنغلاق الهَويَّة المجتمعيَّة، أو غلقها، اِنطلاقاً من ضرب من ضروب فهم، وتأويل، وتفسير التاريخ المجتمعيّ، الذي فيه، ومنه، يُصبح الآخر، مهما كان وكيفما كان، في أيِّ اِنتماء لا فرق، عدوَّاً، يجب إخضاعه، وتطويعه.
- II قيام الذَّات، والإمكانات المختلفة لوجودها، والضروب المختلفة لممارسة اِنوجادها، على آيديولوجيا مغلقة ترى، أو تتوهم، في الآيديولوجيَّات الأخرى عناصر تحطيمها.
- III على السلطة، أيَّة سلطة مهما كانت، كانت مجتمعيَّة بعامَّةٍ، أو دينية أو سياسية بخاصَّةٍ، التي تجد في النقد- والنقد المضاد، أي في التفكيك- والتفكيك البنيوي في كلِّ مرة، ضرباً من ضروب تحطيمها، أن تقف على الضدِّ منه.
- IV اِختزال تاريخ النحن في ضرب من ضروبه، وفي جزء من أجزائه، وفهمه اِنطلاقاً من مؤسسة سلطة بعينها؛ تجعل من كل الضروب التأويلية الخارجة عنها، خارجةً عن النحن.
[III]
يقوم التَّفكير بالتكفير على اِنغلاق هَويَّة المعرفة. وهذا الأخير يتمُّ تحديده بواسطة مُكَوِّنات الآيديولوجيا التي تنطلق منها المعرفة، في أدوات الفكر، ووسائل التساؤل، وتقنيات السَّبيل المنهجي، وأساليب إنتاج، وبناء، وإعادة إنتاج، وإعادة بناء المعرفة بعامَّةٍ.
وهكذا، يُصبح التَّفكير، بواسطة التكفير، قد ينطلق من بداهات ثلاث على أقل تقدير:
- I يتمثَّل هدف التَّفكير بالقضاء على الآخر، ومحاولات تخطئته، ومواجهته، ووضعه ضمن حدود فهمه بوصفه عدواً.
- II تتمثَّل الوسيلة الأكثر فعاليَّة في تحديد الآخر على الدوام على أنَّه يقع خارج إطار النحن التي كانت قد بُنيت دائماً قَبْلِيَّاً.
- III تقوم الحقيقة داخل التَّفكير بالتكفير قَبلَ أن يبدأ التَّفكير؛ ولا يصل إلى أيَّة حقيقة، أو جزء من الحقيقة، أو ضرب من ضروب العثور عليها؛ لأنَّه بالأساس، قَبلَ أن يبدأ يتوفَّر على كل ما يرتبط بمفهوم الحقيقة، من مضامين، ومنظورات، وتصوُّرات، واِفتراضات...إلخ. ومن ثم، لا يكون مثل هذا التَّفكير إلاَّ أمام ذاته في كل مرةٍ، أو يَفرض على الآخر ضرورة أن يكون نسخة عنه، أو يجعل من الآخر نسخة عنه، بكل الوسائل المجتمعيَّة الممكنة؛ التي قد تصل بسهولة إلى ممارسة العنف.
[IV]
ومتى تساءلنا عن المحصلة الأخيرة نصبح مباشرةً أمام: التكفير بالتفكير. أي التكفير، تكفير الآخر، بواسطة ممارسة التَّفكير. وبما أن التَّفكير من هذا النوع، لا يرتبط بوظائف العقل الذي يقوم على بداهة العقلانية، أي الحُرِّيَّة في التَّفكير، نكون أمام مفكرين وباحثين وأساتذة جامعيين وفلاسفة ومعلمين ومتعلمين يقعون داخل عقبة التَّفكير، بوعي أو من دون وعيهم، تتمثَّل في اِستحالة بلوغ مستوى التَّفكير.
[V]
ماذا ينتج عن ذلك؟ وكيف نجد تجسُّداته المجتمعيَّة، ووظائفه المجتمعيَّة؟ وبأيَّةِ معانٍ يمكن أن نتوقف عند التَّساؤل عن النتائج المجتمعيَّة لممارسة التكفير بالتفكير، والتفكير بالتكفير؟
في الحقيقة، ترتبط هذه التَّساؤلات بتساؤل جذري، يتخلل مضامينها، هو التَّساؤل عن ثُنائيَّة [النحنُ الماضية- والنحنُ التاريخيَّة]. أي بثنائية النحن التي مرةً تُبنى، وتُعاش، وتُخلق، وفقاً لجملة الوقائع، والظواهر المجتمعيَّة، والأحداث التاريخيَّة، ومرَّةً أخرى هي، أي النحن، التي تَصنع، وتَخلق، وتَبني جملة الوقائع، والظواهر، والأحداث المجتمعيَّة. في الأولى نكون أمام واقعٍ مجتمعيٍّ يَبني؛ وفي الثَّانية نكون أمام واقع مجتمعيٍّ يُبنى؛ على الرَّغْمِ مِنْ أنَّه لا ثَمَّ واقعاً مجتمعيَّاً يقعُ قَبلَ أن يقعَ واقعاً ملموساً. لذا، لا بُدَّ من أنْ نميِّزَ بين مفهوم الواقع المجتمعيّ، والواقع المجتمعيّ المحسوس الذي لا يُتوفر عليه قطُّ، بل يُتوفَّرُ على جزء منه، في كلِّ مرَّة.