التنظيم القانوني لاستبدال العقوبة السالبة للحرية بالغرامة

آراء 2020/11/02
...

 القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي

 
 
ان لسياسة التجريم والعقاب دورا مهما وخطيرا في المجتمع، من خلال هذه السياسة يستطيع الافراد معرفة الاوامر والنواهي من الافعال، وان الدولة هي التي تأخذ على عاتقها هذه المهمة وهي تجريم الافعال، التي تهدد النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة، ولقد حلت العقوبات السالبة للحرية محل العقوبات البدنية واصبحت عقوبة اساسية في كثير من الانظمة العقابية، وانه في العقوبات السالبة للحرية لم يؤشر انخفاض  معدلات الجريمة وبعكسه تزايدت الجريمة في المجتمع، وان لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية آثارا سلبية على المجتمع والمحكوم عليهم، ولم تنجح العقوبة السالبة للحرية حتى في اكثر البلدان تطورا في تحقيق ردع المجرمين وغيرهم، خاصة في اختلاط انواع المجرمين في السجن، لأنها لا تحقق الهدف الذي وجدت من اجله وهو الاصلاح و تاهيل المحكومين.
 وقد ظهرت اتجاهات جديدة في السياسة العقابية وصلت الى أن السجن لا يخدم المجتمع، بل لا بدّ من الاخذ ببدائل العقوبات السالبة للحرية، وأصبحت العقوبات السالبة للحرية عقوبات سائدة في الكثير من بلدان العالم، منها الجرائم الخطيرة واخرى اقل خطورة، وقد تطورت الفسلفة العقابية في كثير من الدول بما في ذلك الدول المتقدمة، حيث ان للعقوبات السالبة للحرية آثارا سلبية وسيئة على المحكوم عليهم وأسرهم وعلى العلاقات الاجتماعية، إضافة الى ازدحام السجون والاصل أن العقوبات السالبة للحرية تهدف الى التدريب والتأهيل الى درجة الوقاية من الجريمة وقد أثبتت الدراسات والابحاث القانونية فشل هذه السياسة، ولم تحقق الهدف المنشود و حيث ان للعقوبات البديلة أثرا واضحا في اصلاح انظمة العدالة الاجتماعية، وان العمل بنظام العقوبات البديلة يعني تحقيق أهداف السياسة العقابية بنوعية الردع العام و الردع الخاص و اصلاح المحكوم عليه واعادته بصورة سليمة الى احضان 
المجتمع.
 وان هذه البدائل تساعد على معالجة الاثار السلبية للجرائم البسيطة وان تطبيق القواعد القانونية وتشريعها لوضع العقوبات البديلة موضع التنفيذ يعطي المجال للمحكوم عليه للاستفادة من تشريع هذا القانون مما يؤدي الى تفييرات جوهرية في الردع العام والخاص، وبالتالي الوصول الى اكبر قدر من عملية الاصلاح و التاهيل وان استخدام البدائل لا يؤدي الى زيادة الجريمة، بل بالعكس يؤدي الى تقليل الجريمة واثارها ومن البدائل للعقوبات السالبة للحرية استبدال الحبس بالغرامة، ويقصد بالغرامة هي الزام المحكوم عليه بدفع مبلغ معين من المال لخزينة الدولة، مقابل ما ارتكبه من مخالفة قانونية، على الرغم من كون الغرامة هي احد البدائل العملية للعقوبات السالبة للحرية، الا انه يعاب عليها ضعف قوتها الرادعة بالنسبة للاثرياء وعدم تحقيق شخصية العقوبة، لأنه يمكن ان يتحملها أشخاص آخرون غير الجاني، وان الهدف من الغرامة ليس التخفيف عن المؤسسات العقابية فقط، بل له اثار ايجابية ومنها منع انتشار ثقافة السجن بين النزلاء الذين يدخلون السجن لاول مرة و منع اختلاطهم مع المجرمين الخطيرين، مما يصبح انتقال عدوى الاجرام الى المجرمين الصغار ممكنا، خاصة ان هؤلاء النزلاء الذين يدخلون السجن لاول مرة وحكموا بعقوبات قصيرة المدة، لا يمثلون اية خطورة على المجتمع، لأنهم ارتكبوا جرائم غير جسيمة وانه بتوقيع العقوبات السالبة للحرية عليهم يؤدي الى تعميق السلوك الاجرامي لديهم، وان المصاريف الكثيرة التي تصرف على المؤسسات العقابية تكلف خزينة الدولة اموالا كثيرة، وبالامكان صرف هذه الاموال في تحسين اوضاع الفئات الفقيرة بالمجتمع العراقي، وفي معظم بلدان العالم يميلون الى تطبيق العقوبات البديلة ولغرض اعطاء الفرصة لبعض المحكومين بالجرائم العمدية والمخالفات، التي لا تتصف 
بالخطورة. وتقليلا للنفقات التي تثقل كاهل الدولة واضافة موارد لخزينة الدولة، وجد المشرع العراقي  في اعداد تشريع قانون استبدال العقوبة السالبة للحرية بالغرامة، حيث ان للمحكوم عليه وجاهيا بعقوبة سالبة للحرية او التدابير التي لا تزيد مدتها عن خمس سنوات فاقل استبدال المدة بالغرامة اكتسب الحكم درجة البتات ام لم يكتسب، ويكون مبلغ الاستبدال( عشرين الف دينار ) و للمشمول باحكام المادة اولا تقديم طلب لغرض الاستبدال الى المحكمة التي اصدرت الحكم للبت بطلب الاستبدال و للمحكمة قبول طلب الاستبدال او رفضه و يكون قرارها خاضعا للطعن تمييزا وفق طرق الطعن المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23 ) لسنة 1971 المعدل، ويقدم طلب الاستبدال من قبل المشمول باحكام هذا القانون او من ينوب عنه قانونا الى المحكمة المختصة، وتبت المحكمة بالطلب خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه مشفوعا بمطالعة الادعاء العام في المؤسسة الاصلاحية المودع فيها المحكوم 
عليه.