علي المرهج
يكمن سر الأزمة في مجتمعاتنا العربية في عدم قدرة الأنظمة العربية على استيعاب المضامين الأنسانية والعقلانية التي تقتضيها الديموقراطية.
أولى الخطوات من أجل تجاوز هذه الأزمة تكون بنزوعنا للتخلص الحقيقي من نظام الوصاية أياً كانت، تراثية أو حداثية، عشائرية كانت أو سياسية، وليس باستطاعتنا تحقيق هذه الخطوة إلاّ بعقل تنويري، لذلك ننحاز للديمقراطية الليبرالية، وفق إمكانية تحقيق شروطها في مجتمعنا طبقاًّ لما حققته الشعوب الأوروبية من نهضتها، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات والفوارق البيئية والاجتماعية بين المجتمعين، الشرقي والأوروبي.
من أهم شروط الديموقراطية الليبرالية فهم المجتمع لمتطلباتها، فلا يمكن أخذها وكأنها وصفة علاج جاهزة، ومن أهم هذه المتطلبات: فهم الحرية وعلاقتها بالمسؤولية، ومقدار احترام المجتمع وحبه للقانون، والسعي لـتأسيس منظومة تربوية وتعليمية تنمي الوعي النقدي الذي يتلازم مع الحرية والمسؤولية، فلا تصلح الديمقراطية الليبرالية ولا تنمو في المجتمعات الجاهلة، التي يتساوى فيها صوت العالم مع صوت الجاهل.
مثل هكذا ديموقراطية تتعارض ومجتمعات الصراع الأثني التي يتبنى أصحابها "الديمقراطية التوافقية"، ممن يفضلون الطائفة أو العرق على الوطن. ومشكلة "الديمقراطية التوافقية" أنها تنسى الكل الاجتماعي السياسي، لتنصهر في الطائفة أو الأثنية، وبالتالي فهكذا ديموقراطية تحمل في طياتها إفساداً وتخريباً للهوية الوطنية لأنها بعبارة (ناصيف نصار) تُريد "مواطناً من نوع خاص، مواطناً يعيش تنازعاً دائماً بين ولائه لطائفته وبين ولائه لوطنه". وبالتالي فالديموقراطية التوافقية تتعارض مع الديموقراطية الليبرالية لأنها تتعارض ومبدأ المساواة بين المواطنين.
في ظل الديموقراطية الليبرالية نما مفهوم المجتمع المدني، لا ليكون نقيضاً للمجتمع الديني كما يتصور دعاة السلفية التراثيين، إنما هو البديل الحر لمتبنيات العقائد دينية كانت أم لا، لأن المجتمع المدني هو رديف المجتمع الديموقراطي إن لم يكن الأخير من منجزاته. ولا سبيل لحضور وفاعلية دعاة المجتمع التراثي إلا بالقبول بمعطيات المجتمع الحداثي لتحقيق التعايش والقبول بالاختلاف والتنوع الثقافي والفكري والديني والسياسي والاجتماعي، بوصفه من طبيعة وجود المجتمعات، والاحساس بقيمة المواطنة القائمة على المساواة في الحقوق
والواجبات.