ضحايا على هامش الوطنيَّة

آراء 2020/11/03
...

 أحمد حسين

 
 
الوطنية ليست لغزاً لا يفهمه إلا من يمتلك القدرة على تفكيكه، ولا هي بسر لا يطلع عليه إلا القلة، وقطعاً هي ليست الحقيقة التي يدعي البعض أنه يعرفها دونه غيره، الوطنية هي الانتماء للوطن الذي تحيا فيه وتعتز به وتريد له أن يكون أفضل من غيره أو على أقل تقدير أن يرتقي إلى مصاف البلدان التي تراها أنت قدوة، وحتى وإن لم تقدم شيئاً لهذا الوطن، فذلك لا يسلب منك وطنيتك، لكن من يسلبها هم أناس يرون أنهم يمتلكون الحق في تصنيف الناس وفرزهم وإقصائهم أو إدخالهم تحت خيمة الوطن دون
غيرهم.
الكثير منّا لم يقدم للوطن شيئاً ليس بخلاً وانما عجز لأن هناك من سلبنا هذه القدرة، ورغم ذلك نطمح جميعاً أن نتمكن في يوم ما من تحقيق هذا الحلم - بالفعل خدمة الوطن أصبحت حلماً في بلادنا – وما زلنا نعيش على هذا الأمل الموعود ونتغذى من إمداداته لكي نستطيع مواصلة الحياة والحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه كأضعف الإيمان، لكن لو أن أحدنا قدم حياته بإرادته أو فقدها برصاصة مجهولة أو مشحوذ بالحقد والكراهية فهل يحق لأحد مهما كانت مكانته أو قدرته أو سلطته أن يصادر صفة الوطنية من 
شهيد؟.
من المؤلم بل المفجع في وطني أن ترتهن دماء الضحايا بالميول الطائفية أو العنصرية أو السياسية فتجرد ضحية من هويتها الوطنية وتثبتها لضحية أخرى، من المؤسف والمخزي أن يكون هناك تمييز حتى في الموت والشهادة، الموت يساوي بين جميع البشر وبالأخص أولئك الذين فارقوا الحياة في ظروف متشابهة أو من أجل قضية واحدة، وبالتالي من المعيب أننا نحن الذين نتنعم باستنشاق الهواء بفضل دماء الضحايا، أن نقوم بتوزيع هبة الوطنية وفق أهوائنا، أو التعاطف مع هذا دون ذاك وكأن الاحساس بمعاناة الآخرين سلعة في مزاد السياسة والهويات 
الفرعية.
دماء الضحايا لا تختلف عن بعضها إلا تحت مجهر الفحص المختبري، فمن منّا يملك الجرأة على الادعاء أن لديه مجهراً يصنف الوطني من غير 
الوطني؟!.