التمثيل العقلي للصدمة

آراء 2020/11/03
...

 محمد شريف أبو ميسم
تعتمد نظرية الصدمة، التي جاء بها الاقتصادي الأميركي ميلتون فريدمن، للانتقال بالمجتمعات من النظم الشمولية الى التعددية القائمة على ليبرالية السوق، على تكريس الفشل والفوضى في معطيات التحول عبر خيوط تحرك الدمى وتصنع الأزمات بهدف ادخال العقل الجمعي في تيه تحت وطأة الفساد والعنف وغياب العدالة، باتجاه القبول بالحلول الجاهرة التي 
تأتي بها رساميل العولمة فيما بعد بدعوى الاستثمار، ليكون الفشل سمة من سمات القوى التي تدير مرحلة التحول، بينما يسوّق النجاح فيما بعد بوصفه معطى من معطيات النظام الذي ستصنعه رساميل الشركات التي تحكم العالم، وحتمية لانموذج سلطة
المال. 
وحين توفي ميلتون فريدمان أواخر 2006 ، اعتقد بعض المفكرين المعادين للفريدمانية، ان رحيله سيكون نهاية مرحلة تاريخية تعالى فيها صوت "النيوليبرالية المتوحشة" كما يسمونها، والذي عزز هذا الاعتقاد في ذلك الوقت، هو تنامي العداء الشعبي ازاء صعود سلطة رأس المال في أجواء من الحرية المنفلتة على حساب العدالة الاجتماعية في العديد من دول أميركا الجنوبية، في وقت شهد صعود حركات اليسار في كل من بوليفيا وفنزويلا والأرغواي، وتصاعد الرفض الشعبي في دول دفعت ثمن التحول من اقتصاد الدولة الى اقتصاد السوق جراء الفوضى  العارمة التي خلفتها "صدمة التحول" في كل من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي، مع النجاحات التي حققها البرنامج الاجتماعي الذي تبنته الحكومة الفنزويلية في عهد الرئيس شافيز، وامتدت حالة الرفض المضادة للفريدمانية الى دول أوروبا الشرقية التي كانت تعيش تحت وطأة المراحل الأخيرة من معطيات التحول نحو اقتصاد السوق الليبرالي القائم 
على الملكية المطلقة لصالح الرساميل الخاصة والحرية في ادارة شؤون الحياة من الحديقة الخلفية 
للنشاطات الاقتصادية. 
الا ان الشركات التي تحكم العالم ومن خلفها طائفة الواحد بالمئة التي تحتكم على نحو 85 من ثروة كوكب الأرض وجدت في ورثة الفريدمانية (التي ولدت في جامعة شيكاغو) سبيلا لتسويق أفكار ومسارات سلطة المال تحت مظلة الليبرالية والتبشير بالحرية ودولة الرفاه داخل التشكيلات المجتمعية التي عانت من النظم الدكتاتورية الشمولية بدعوى التحول نحو الديمقراطية، فحرصت على تقديم أفكارها بطريقة دعائية تغازل العقل الثقافي الباحث عن المحاكاة، فتمثلت نظرية الصدمة بهيئة معطيات نضالية في مساحة الفوضى.