من المتفق عليه ان البرلمان هو المؤسسة التي ينعكس في هيكلها التنوع الديني والطائفي والسياسي، وان سيطرت عليه الأغلبية فالروح الديمقراطية تؤكد احترام الأقلية وضمان تعبيرها عن رأيها ومواقفها.
تعرف المعارضة في النظام السياسي الديمقراطي على انها حزب او كتلة سياسية او ائتلاف مكون من مجموعة أحزاب يختلفون مع الحكومة في برنامجها وسبل تطبيقه، ويحدث هذا عادة داخل البرلمان، فتسعى المعارضة الى تشكيل كتلة تهدف للوصول الى السلطة او الحكم ومن خلال دورها في البرلمان، فإنها تمارس دور الرصد والارشاد للحكومة، وقد تسعى للتواصل مع جمهورها لممارسة الضغط عليها لاتخاذ بعض القرارات او اتخاذ اخرى.
وتقوم المعارضة خلال فترة وجودها في البرلمان بمراقبة اداء الحكومة ومحاسبتها او تقديم برامج بديلة لما طرحته الحكومة، وقد تقدم مقترحا لسحب الثقة من الحكومة بكاملها او بعض وزرائها ولايتم هذا الا من خلال تجميع اصوات كافية لتحقيق هذا الهدف.
حق دستوري
وبقدر تعلق الامر بالعراق وعملية التحول الديمقراطي التي انطلقت بعد 2003 فقد عانت من خلل بنيوي رافقها طوال الـ(17 ) عاما من عمر العملية السياسية، وتمثل هذا الخلل في غياب المعارضة السياسية، التي تعد من أهم أركان ومرتكزات النظام البرلماني، اذ وصف الدستور في المادة (1) (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي . وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق .) ان نظام الحكم برلماني نيابي .
ويرى الكثير من الباحثين السياسيين والمهتمين بهذا الشأن ان سبب غياب او تغييب ركن المعارضة داخل البرلمان، هو حرص الكتل والاحزاب السياسية على عدم التفريط بامتيازات السلطة، فضلا عن الصورة الذهنية لدى طيف واسع منهم ان المعارضة تعني التآمر والانقلاب على الحكم القائم.
وحين يتحدث احدهم بصوت المعارضة فهو لا يتخذ هذا الموقف بشكل جدي، بل يستخدمه كتهديد للحصول على امتيازات ومكاسب سياسية، او ان موقفه هذا يعبر عن حالة الهروب من تحمل مسؤولية الفشل وعدم تحمل هذه المسؤولية بل يرميها على الآخرين.
ومن الواضح أن ركن المعارضة البرلمانية قد اشار له الدستور، وان كانت الاشارة غير مباشرة، ولكنها واضحة .
فقد نصت المادة (76) أولاً على ( يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية) وهذا يعني ان الكتل والاحزاب الاخرى التي لم تدخل في الكتلة النيابية الاكبر هي المعارضة.
ولكن مع أنَّ الدستور أوضح أنَّ الكتلة الأكبر هي التي تضطلع بتشكيل الحكومة، وهذا يعني ضمناً أنَّ هناك كتلةً أو كتلاً أخرى ستذهب إلى الجهة الأخرى(المعارضة) من أجل أن تصحح مسارات السلطة التنفيذية بآليات معينة، سواء من خلال الاستجوابات التي يقوم بها النواب للكابينة الوزارية ورئيسها، والجهات التنفيذية الأخرى.
ترسيخ المحاصصة
مع كل هذا بقى مقعد المعارضة فارغا، اذ سعى الجميع نحو السلطة، وهكذا كان السائد هو مبدأ المغانمة والمحاصصة والجري خلف المصالح الشخصية والحزبية، وبالتالي تم تغيب دور المعارضة واهملت اهميتها، فتم نسيانها تماما امام مغانم الولاء وامتيازاته، حتى تحول من يتحدث عن المعارضة واهمية وجودها بوصفها أحد مرتكزات النظام البرلماني، وكأنه يتحدث عن نكتة سمجة، بل اصبح هذا الحديث ومضامينه محط سخرية الساخرين والمستهزئين.