د. نازك بدير*
أن تعيش على حافة الجرف، قد يكون أشد خطرًا من الوقوع في الهاوية، وأن تعاين في كلّ لحظة موت أحبتك، وتشبّث بعضهم الآخر بجذوع محروقة، يجعلك تفكّر في مَن دفعهم إلى هذا المصير، أو لربّما هم بإرادتهم أتَوا نحوه بعد أن تحوّلوا إلى كائنات تشبه "الزّومبي".
يبدو أنّ ما يحدث في لبنان يقع خارج السّياق العام لتحوّلات البلاد عمومًا، وقد لا نستطيع القياس عليها إذا ما أردنا مقاربة ما يحصل فيه من تغيّرات جذريّة على مدى السّنوات الماضية، إن لم نقل منذ تأسيس لبنان الكبير.
يكاد هذا الوطن الصغير - نسبيًّا بمساحته الجغرافية- يفيض بأزمات جوهريّة يمكن أن تغطّي دولا عربيّة، لكن المفارقة، لو حدث وأن وقعت في أيّ مكان آخر، فلن تتفاقم إلى الحدّ الذي عرفته في بلاد الأرز!
وكأنّ في هذه البقعة تحديدًا ثمّة قانون بيولوجي خاصّ يحكمها- بمعزل عن الدول الأخرى- يؤدي تلقائيًّا إلى إفراز الفساد، ويتحرّك قانون الجاذبية بطريقة تخدم مصالح الطغمة الحاكمة، فتتساقط التّهم على الضحايا، وتتبخّر، بسحر ساحر، أموال المودعين. ولو اجتمع خبراء الاقتصاد والسياسة والقانون من دول متعدّدة لبحث الأزمة اللبنانيّة، سيكون الحلّ عصيًّا عليهم، لأن الأزمات التي يمرّ بها هذا البلد لها خصوصيّة تندرج خارج المنطق، وفرادة تتعالى على الأعراف، وخريطة طريق من خارج درب التبانة، والأحكام التي تطبّق فيه مخالفة للشرائع الإنسانيّة، هو بلد اللا متوقّع، وإذا كنتَ من مواطنيه، تستطيع أن تقول: "كل ما هو غير متوقّع آت".
وعلى الرّغم من كلّ ما تقدّم، يقف المواطن اليوم من على شفير الهاوية؛ بدلًا من أن يعمل ولو مرة واحدة لينقذ نفسه، نراه يسعى جاهدًا لبذل المزيد من التّضحيات أمام" زعيمه" المسؤول فعليًّا عن خلْق الأزمات، وإغراق الوطن والمواطنين فيها.
لعل الرقم الذي يتضاعف بفعل الطبقة الحاكمة يوميًا ليس عدد الشباب الذين يهاجرون فحسب، ولا أولئك الذين يفقدون أنفاسهم، ولا من اتّخذوا مستوعبات النفايات مصدر قوتهم، بل أصحاب الكرامات الذين يتعرّضون إلى الذّلّ نتيجة السياسات العمياء.
عامُ مرّ على ثورة تشرين، ولم يزدد الفقراء إلا فقرًا، والأثرياء إلا فحشًا، واتّسعت الهوّة ما بين الفرد وما كان يحلم به، حتى غدت تلك الأحلام سُحبًا عبرَتْ ذات صيف.
أكاديميّة لبنانيّة