المجتمعات المنغلقة

آراء 2020/11/08
...

ميادة سفر
تمشي المجتمعات المنغلقة بطيئة الخطى، خائفة من التعامل مع الحضارة، مترددة في استقبال أي جديد، ولأنَّ الإنسان بطبعه موسومٌ بالاجتماعيَّة، فهو يسعى للتواصل مع الآخرين، وهذه ضرورة أكثر منها حاجة، فلا يمكن للفكر والعقل أنْ يتطورا بدون الحصول على معارف جديدة نأخذها من الآخرين، مستفيدين من تجاربهم وأعمالهم وأفكارهم.
فما الذي سيقدمه المجتمع المنغلق، وأي إسهام سيكون له تجاه البشريَّة والعالم، حتماً لا شيء سوى مزيدٍ من التطرف والتعصب بمختلف أشكاله الدينية والاجتماعية والسياسية، حيث الأرض خصبة، والبيئة هشة لتنبت شخوصاً تتناسب معه.
الكثير من المجتمعات العربية هي مجتمعات منغلقة، تمارس فنوناً متقدمة وتتسابق في ما بينها أحياناً لفرض مزيدٍ من القيود والأغلال على مواطنيها، وهو ما أبقاها وسيبقيها متخلفة، تراوح مكانها، إنسانها مهزوز في أعماق روحه، فاقد الثقة بنفسه، وبإمكانياته وقدراته، يعتريه الخوف والتردد في كل خطوة يخطوها، أليس واقع المرأة العربيَّة أكثر المظاهر التي تعكس عيوب وتفاهة المجتمع المنغلق الذي تعيش فيه، وثقافته الرديئة المتردية، فضلاً عن أمراضٍ كثيرة غيرها، تطال مختلف أفراده لا سيما أصحاب العقول والمفكرين الذين يعاقبون على أفكارهم إنْ هي تمردت وامتنعت عن الخضوع لأنماط السلوك المفروضة.
هرباً من هذا الواقع الذي يمكن القول إنه يعم البلاد العربيَّة مع استثناءات قليلة ومحدودة، لجأ الكثيرون، لا سيما الشباب، للتطلع إلى الغرب الأكثر حرية وتحرراً، أو حتى الانتقال إلى بلاد عربيَّة لديها مساحة أقل ضيقاً وتقييداً، لا سيما من الناحية الفكرية، فنجد أنّ أغلب الكتاب العرب مثلاً يلجؤون إلى بيروت لنشر مؤلفاتهم، هرباً من الرقابة والمنع الممارس عليهم في بلدانهم.
من ناحية أخرى أشارت بعض الدراسات إلى ارتفاع نسب الطلاق في الأسر التي هاجرت ولجأت إلى دول أوروبية في السنوات الأخيرة، لأسبابٍ مختلفة لعلَّ أهمها الزواج التقليدي المفروض وانعدام حرية الاختيار خاصة لدى المرأة التي غالباً ما تكون موافقتها تحصيلاً حاصلاً طالما رضي ولي الأمر على الزوج، هذا أفرز الكثير من المشكلات الاجتماعيَّة وأدى إلى حالات الطلاق التي أشرنا إليها حين منح الطرفان حرية أكبر وتحرروا من قيود المجتمع وفروضه.
من المعلوم أن ما من مجتمع منعزل تمكن من الارتقاء بمفرده، فلا يمكن لأي كان الإلمام بكل الأمور، بل إنَّ ضرورة التبادل في الأفكار والحاجات لا بدّ منها ليكون جزءاً من العالم ويترك بصمته في تاريخ البشرية.
كثيرة هي المشكلات التي يفرزها المجتمع المنغلق، ولعل أخطرها التطرف الذي صار إرهاباً عانت منه بلادنا، من جماعات حصرت جل عقلها وتفكيرها في حيزٍ صغيرٍ جداً يعود لآلاف السنين، فاستباحت وقتلت كل من وقف في وجهها واعترض عليها.
الانفتاح والتحرر والحرية هي سبيل المجتمعات للتغيير والتطور وخلق إنسان متوازن قادر على العمل، واثق بقدرته على التقدم والإنتاج والاندماج في أي مكان يوضع فيه.