بين (آخر المطاف وأوله) مجموعته القصصية الأولى و( استدراك.. قبل فوات الأوان) مجموعته الشعرية الأولى التي كتب على غلافها
(نصوص) لتأخذ بعدها لدى المتلقي ومن خلال هذه المجموعة والصادرة عن دار الورشة الثقافية عام 2020 يريد حمودي الكناني الممازجة بين الشعر والقص في سردية شعرية تبدأ من حيث ينتهي به المطاف الى الخوف او القلق أو الشكوى من الحال الذي يمر به.. وإذا ما قرأنا
مجموعته القصصية الثانية (مدية الحكايا) وهي المجموعة التي تقع بين المجموعتين، فإن الامر يتوضح أكثر من
المسيرة الحياتية التي تنكشف بسرعة مثلما تنفضح الاهداف التي تتراكم فوق الهم اليومي الذي يعيشه والواضحة من خلال عناوين النصوص وافكارها وما تحمله من مهيمنات لاإرادية بالنسبة للكناني لكنها تكون مرصودة بالنسبة للمتلقي.
إن محنة العنوان تقود اصلا الى دلالة المعنى الذي يريد تثبيت اركانه في النصوص ورغم ان العنوان هو أحد نصوص المجموعة التي لم يقل عنها
أنها (شعرية) ليس لإيهام المتلقي او انه يريد ابتكار العنونة او حصرها في المفهوم النصي بل لأنه يريدها ان تكون دالا لمدلول المحنة ذاتها.. محنة الكتابة ذاتها ومحنة التوجه في معيارية الشكل النهائي للنصوص التي تقترب من حيث المفهوم الإجناسي من كونها نصوصا نثرية تأخذ من ثوب الشعر رداءها الطويل ومن
خيوط السرد ما يجعلها اقرب الى الفكرة المناطة بها طريقة الإعلاء لبناء الهيكل العام للنص الواحد.
إن عناوين المجموعة تشي بسيكولوجية المنتج.. وهي عناوين تلعب على الفكرة مثلما تلعب على المتن النصي بحيث ما يشاء الكناني.. فهو يبدأ المجموعة بنص (مغلق) ثم (هلم جرّا)، ثم يبرهن ما يسمى بكسر افق التوقع بعناوين (خفة ظل) و(تأشيرة دخول.. الى النافذة)
ليعود الى التمرد (العنواني) بنصوص (من وحي يوم ممطر) و(مشاغبة) و(تعالي نتظاهر)
وغيرها من عناوين النصوص.. وعلى الرغم من ان بعض العناوين فيها نوع من السخرية او الممازحة مع النص واللغة والغاية (حملقة واشياء
أخرى) و(تصفيق واشياء أخرى) وكذلك (ظل يعشق العراك) لتكون الخاتمة بنص يريد الاقتراب من نص الافتتاح لا يريد المغادرة من الحالة النفسية التي انتجت النصوص،
فجعل النص يحمل عنوان (أينا يفوز) وقد تركه ليس بطريقة الاستفهام بل بطريقة الاستدراك وهو ما يرتبط بالعنونة الرئيسة للنصوص
الكلية.
إن قوة مفعول النصوص تعتمد على روحية العنوان في النص الواحد لأنها ليست العتبة الاولى او انه بوابة مدينة النصوص بل هو المناورة الاولى التي ينتهجها الكناني، وما يأتي بعدها هو تحصيل حاصل للفكرة التي يتبناها في توصيل القصد، ومن ثم الحصول على كمية كبيرة من التأويل من خلال شحن النص بالشاعرية التي يريدها.. وهذا لا يعني ان النصوص تتراكم في محمولاتها على العنوان بقدر ما يعطي العنوان مفعوله الدلالي القوي .. لان الامر يرتبط بالحالة النفسية التي ترافق لحظة الانتاج وهي حالة يريدها ان تكون متفردة في التفكير هادئة في البناء فاعلة في التوصيف.. ولهذا لا نجد نصا بعيدا عن حركتين مهمتين .. الاولى العنوان وفاعليته.. والثانية: الفكرة وطريقة تدوينها.. والحالة الثانية تنتج لنا نصا وفق حركتين.. الاولى: الانغماس في المفهوم السردي للنص.. والثانية: امتطاء الفعل الشعري داخل النص.. وهو ما نراه في أغلب النصوص وأعمّها.. ففي نص (مغلق) نرى استهلالا يرتبط ارتباطا وثيقا بالسرد ولكن بطريقة الشعر (مغلق قال الباب الأول/ مسدود، قال الباب الثاني/ لا تقلق/ تقول جميع الابواب)، وهو ذات الامر في استهلال نص (الى جاراتنا الجنب)، إذ يكون السرد فاعلا ( تعالي إلىّ مساء/ حيث انصب مائدتي/ لن تجدي عليها سوى/ إناء أمي القديم).
وذات الأمر نراه في نص (خارطة هوى) إذ نسج مقطعه الشعري بخيوط السرد (تعالي نركب خيول الهوى/ نستريح عند اشجاره وارفات الظلال/ ما زال قلبي إماما للحب).
وهو ما يعني ان الصراع بائن بين الحالة النفسية التي اثرت به وقائع الواقع وبين الحلم في الحياة فكونت سيكولوجية النص مهادها من اجل
الاثبات على المهمة الشعرية في النص لكي
تلوح لمعانٍ يريدها الكناني واضحة،
ولكن من خلال النظر الى الجزء الكبير الغاطس
في التأويل وليس الى الجزء المفضوح من دلالة العنوان الذي جعله الخطوة الاولى وهو ما نراه بهذه الطريقة التي لعب فيها لإنتاج النص ليكون طويلا بعض
الشيء إلا من نصوص قليلة لم تغادر خيوطها السرديَّة.