وعكة عاطفيَّة
تنفّس قلبي أخيراً، أكاد أسمع دقاته الواهنة، كان الفجر في أوله، خيط أبيض وآخر أسود، هكذا أراه من النافذة العريضة في غرفتي، أشعر بالإنهاك، كأنّني خارجة للتوِّ من بطن حوت قرّر أخيراً أن يبصقني، أمي تجلس قرب سريري، بعينين
يترقرق فيهما دمع راكد، لمستْ يديّ الباردتين فسرى الدفءُ فيهما، وقالتْ كأنّها تقرأ سؤالاً في عينيّ: لم يحدث شيء يا ابنتي، مجرد (وعكة) عاطفيَّة مرّتْ بسلام.
لم أتذكر في تلك اللحظة، ولا في الأيام التالية من كان السبب في تلك (الوعكة) فجميع الملامح التي مرّتْ على خاطري كانت متشابهة، باستثناء ملامح أمي.
حنين
غادرتُ المدن الغريبة، المدن التي لملمتْ أجزائي المبعثرة وأعادتها الى الحياة، لكنها لم تستطع صدَّ رياح الحنين التي تجتاحني كلَّ يوم، الحنين الذي يأخذ شكل نوبات بكاء في الليالي المثلجة عندما تحاصرني الوجوه التي أحببتها.
عدتُ الى مدينتي الأولى حيث مسقط القلب، حللتُ قرب جذوري العميقة في الأرض، شعرتُ بالزهو، وبأنَّ
غضون جبيني تتراجع، وغصون عمري لم تجف، وأنني طفلة الأمس التي لا تكبر أبداً.في المرآة كان الأمر مختلفاً، غير أنّني لم أُعِرْ الأمر أية أهمية، فإما أن تكون المرآة كاذبة، أو أن كلَّ شيء سيعود إلى ألقه حين ألتقي أحبابي القدامى، ويأخذونني بالأحضان قبل أن أفرد ذراعيّ لاحتضانهم، لقد وضع الحنين أوزاره مُذ وطئت قدماي أرضي... هكذا قلتُ لنفسي بلغة جازمة وحاسمة لا تقبل التأويل. لكنني لم أجد، فكلّ شيء تغيّر، الحياة التي كانت لم تعد، الوجوه شاخت أعماراً والصدور ضاقت بقلوب خاوية، الطرقات تقطّعت أوصالها ومحت كل أثر لما كان، كأنّ الأرض التي أعرفها غادرت تاركة مكانها لأرض غريبة يصعب التآلف معها، أجلس الآن في شقتي، أحصي خساراتي، وأتمازح مع الحنين الذي مايزال يخدعني.