علي حسن الفوّاز
الاحتفاء بيوم التسامح العالمي في 16/ 11 من كل عام يؤشر مدى الحاجة لأنسنة ماهو أخلاقي وقيمي في مفهوم التسامح، ولضرورة تكريسه شرعيا وحقوقيا وثقافيا على مستوى الاجتماع والقانون، أو على مستوى مناهج التربية والتعليم والمعرفة، فضلا عن كل مايتعلّق بالافكار التي تخص مصالح التعايش بين الناس، وعلاقة ذلك بعلاقاتهم الاجتماعية
والتواصلية..
تكتسب أهمية يوم التسامح الذي دعت اليه منظمة الأمم المتحدة بُعدها الانساني والحقوقي، وحتى السياسي من خلال النظر الى طبيعة الصراعات والحروب الدامية التي يعيشها عالمنا المعاصر، والذي تحولت الى بؤر للكراهية والاقصاء والتكفير والعنف المتواصل، وهو مايترك آثاره الفجائعية على حيوات كثير من الافراد والجماعات والمجتمعات والدول، حيث فقدان الأمن الأهلي ومصادر التنمية، مثلما اضعفت قدرتها على اقامة اي حوار عقلاني، سياسي أو اجتماعي، أو حقوقي، لأنّ استمرار الحروب وعبر استخدام أكثر الأسلحة فتكا، خلق بيئات مشحونة بالتوتر والعزل والاستعداء والكراهية، مثلما خلق بيئات ثقافية يتعالى فيها صوت التعصب والخوف وإقصاء الآخر، وهذا مادفع الامم المتحدة الى اختيار مناسبة ذكرى تأسيس منظمة اليونسكو لتكون مناسبة للاعلان عن هذا اليوم، بوصفه خطابا عالميا ووثيقة مهمة من وثائق السلام الانساني، لشرح أبعاد المخاطر والمكاره التي ترافق العنف والحرب، ولصياغة القرارات والمواثيق التي تدعو الى نبذ كل ما من شأنه تعريض الانسان للأذى والعزل والتهجير والكراهية، مقابل الدعوة للتعاون والحوار الفاعل بين الثقافات والحضارات، فضلا عن اعتماد أنجع الوسائل لتعزيز التفاهم وتسوية المشاكل الدولية والاقليمية والمحلية على وفق أسس القانون الدولي، والقيم الانسانية والحقوقية المعروفة.
التسامح والسياسة والحرب
من أكثر مصادر إشاعة العنف هي السياسات القهرية التي تتبعها بعض الدول والجماعات، والتي تحولت الى ممارسات وحروب ذات طابع إثني وعنصري وطائفي وقومي، تسببت بقتل الآلاف من النساء والاطفال والشيوخ، فضلا عن تشريد الملايين، وهو ماجعل ظاهرة الهجرة علامة واضحة وفاضحة لتلك السياسات، مثلما جعلها مصدر ضغط على المنظمات الدولية، وحتى الدول ذاتها، عبر عجزها عن تأمين المستلزمات الضرورية للحماية ولتأمين مصادر كافية للأمن الغذائي والدوائي والبيئي، وعلى نحوٍ يدعو للتصريح بنبذ تلك السياسات، بما فيها التدخلات التي تمارسها بعض الدول الكبرى، والاقليمية، ولحساب تخندقات ومصالح سياسية ضيقة، وبالاتجاه الذي يعزز آفاق التفاهمات السلمية، بعيدا عن خيارات الحرب، والدعوة لتكريس قيم التضامن الفكري، والثقة بمشروعية السلم، والحوار مع الآخر، بوصفها وسائط للتحفيز على التعاون، وعلى تشجيع التسامح والاحترام، وعلى استثمار طاقة التنوع للمشاركة والتنمية، وبما يسهم في احترام وتقدير هذا التنوع، كونه مصدرا لتحسين أشكال التعبير وتأهيل أنماط الحياة وقيم التعايش عبر طرق وآليات ناجعة من التواصل، ليس على مستوى ثقافات الافراد فحسب، بل على مستوى اختيار السياسات الايجابية، والفاعلة، وتبني الخطابات والثقافات التي تعزز مصالح المجتمعات والدول..
التسامح والثقافة
التسامح «لايعني التساهل وعدم الاكتراث، بل هو احترام وتقدير للتنوع»، هذا ماتقوله وثيقة اليونسكو عن التسامح، أي لا تسامح مع الجريمة والقهر والطغيان، مقابل تعظيم معاني المسؤولية أزاء الآخر، والتي هي رهان على وعي وجوده، وعلى حقيقة التعايش معه في المصالح، والمكان والحوار، وحتى في إدارة الشؤون العامة. استمرار ذلك الرهان ينطلق من عمق تلك المسؤولية، في سياق اجراءاتها، وفي قوة فاعليتها، وفي وضوح خطابها القائم على المشاركة، وعلى نبذ التهميش والتمييز العنصري والطائفي والقومي والجندري، إذ تتحول المسؤولية الى قوة أخلاقية، والى إطار حقوقي وحتى سياسي، لدرء أي تأثير يمكن أن يولّد إحساسا بالعزلة، أو بالخوف والكراهية، إذ يكون الخطاب الثقافي منصة لتوليد الشعور بالتواصل، وتنمية القدرات على التفكير الايجابي وعلى الإيمان بقيمة التنوع، وأهميته الأخلاقية وحتى الدينية في التعارف والتعايش والتآلف، مقابل تخفيف غلواء الصراعات القائمة أصلا على سرديات رفض الآخر، ومن هنا نجد أهمية التفاعل مابين الخطاب الثقافي والحقوقي وبين الفضاء التعليمي، حيث التعليم والتدريب، وحيث صياغة المحتوى الجديد القائم على مواجهة الجهل بالمستقبل وبالقانون، وتزويد الاجيال الجديدة بقيم مناسبة وواقعية وتربوية من المعلومات والأفكار والرسائل التي تؤمن فضاء واسعا للقبول والتعايش والمشاركة والنظر للتسامح بوصفه قيمة عليا للثقة بالنفس وبالآخر..