عيوب الصياغة في الدستور العراقي لعام 2005

آراء 2020/11/16
...

 محمد الشحتور
 
 
لكي يشكل النص الدستوري وحدة اتصال بين المشرِّع والمشرَّع لهم، لا بد من أن يكون مفهوما واضح الدلالة؛ ليتم تطبيقه؛ ولذا تحتم أن يتسم بالتماسك المعنوي (الحبك) بوصفه أحد المعايير الرئيسة في علم لغة النص. وبناء على ذلك وجب تحاشي وقوع أحد عيوب الصياغة في لغة القانون، كالغموض والتعارض والنقص والتزيد والخطأ، فبسببها يكون النص معيبا، والمقال محاولة موجزة لبيان النص المعيب بسبب الخطأ.
- الخطأ: الخطأ المادي (الشكلي) كثير في النص الدستوري، ويظهر في اللغة والإملاء والحركات، ولا وجود للخطأ المعنوي؛ أي وجود كلمة تغير المعنى الذي قصد إليه المشرِّع
 كليًّا.
1 - اللُّغة: هناك أخطاء لُغوية كثيرة، نذكر منها بعض الأمثلة، كالمادة (111): "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات"، استعمل ضمير الرفع المنفصل (هو) الخاص بالمفرد المذكَّر، والصحيح استعمال (هما) ليدل على المثنَّى المذكَّر (النفط 
والغاز).
ومن ذلك أيضا ما ورد في المادة (126/ ثالثًا): "لا يجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند ثانيا"، والصواب الأُخَر، كذلك ما جاء في المادة (112/ أولًا): "تقوم الحكومة بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية" والصواب
 المُستخرَجيْن.
ب- الإملاء: تكرَّر كثيرا في الدستور خطأ إملائي، وهو لفظ (بناء) فقد كُتبَ خطأً بهذه الطريقة (بناءاً)، والصواب أن يُكتب (بناءً)، كما لا يخفى، وقد كُتب أحيانًا صوابًا (المواد: 15، 58/ ثانيًا، 64/أولًا)، وكُتب خطأً (المادتان: 119، 126/ ثانيًا)، واللَّافت أنَّه كُتب في المادة الواحدة مرَّة صوابًا وأخرى خطأً، كما في المادة
 (61).
ت- الحركات: للحركات أهمية كبيرة في تحديد معاني المفردات وأحيانًا يكون رسمها ضرورة ولِزامًا كما في الدستور، وبخاصَّة أنَّ لغتنا تتغيَّر دلالاتها وتتباين بمجرد تغيير حركة من حرف، مثل: (الحُب، الحَب)؛ فشتَّان بينهما، والملاحَظ استنادًا إلى البحث أنَّ ذلك لم يُعتنَ به في النص الدستوري، كما هو الأمر مع الترقيم، وتفصيل الخطأ بالحركات هو 
الآتي:
أ- تارة يُثبَت ما يلزم وما لا يلزم من الحركات كالذي في ديباجة الدستور في نسخته الصادرة عن مجلس النواب، وقد يكون هذا مستحسنًا، مثل: "عَلَى أرْضِنَا سُنَّ أولُ قانُونٍ"؛ فضم سين (سُنَّ)، وتضعيف نونها لازم للتوضيح في المقام بناءً على المجهول، ولأنَّ الشدَّة حرف، لكنَّ ما عداه من حركات ليست لازمة ولاسيَّما الفتحة قبل الألف في (على، أرضنا)، ولا بدَّ من التنبيه على أنَّ تحريك النص الدستوري أولى وأهمُّ من تحريك ديباجته (مقدمته)، لكن قد يكون الذي خطَّها أو طبعها غير الذي خطَّ وطبع بقية الوثيقة الدستورية، أو أنَّ السبب هو الإرباك والعجلة التي أحاطت بكتابته؛ فحدث الفرق، علمًا أنَّ ما نُشر في جريدة الوقائع العراقية خلت ديباجته من
 الحركات.
ب- تارة تترَك الحركات كلُّها الضرورية وغير الضرورية، كما هي حال أغلب كلمات 
الدستور.
ت- تارة يقع التَّخبُّط فيُختار غير المهمِّ، ويُترك المهم والأهمُّ الذي يصل لدرجة الخطأ الإملائي وبخاصَّة في مثل هذه النصوص بالغة الخطورة، ويمكن ملاحظة ذلك في أول جملة من الديباجة: "نَحْنُ أبناء وادِي الرافدينِ"؛ فالحركات ولاسيَّما حركة كسر الدال (وادِي)، وفتح النون (نَحن) ليستا مهمتين، فالأولى لازمة؛ لأنَّها قبل ياء المدِّ، والثانية معروفة؛ فهي نون مفتوحة دوما، وأهمُّ منهما أن توضَع الشدَّة على راء (الرَّافدين)؛ لأنَّ الشدَّة حرف، لكنَّها لم توضَع، ولا يختلف حال بقية الديباجة.
 ومثل ذلك المادة (18/ثانيًا): "يعدُ عراقيا كل من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية "؛ فقد أُثبتت الضمة آخر الفعل (يُعَدُّ)، وهي غير ضرورية؛ لأنَّها لا تحدِّد المعنى، بينما أغفلت عن أوله، والمستحسَن إثباتها أو إثبات الفتحة على العين للدلالة على بناء الفعل للمجهول (يُعَدُّ)، وأغفل الشَدَّة عن آخِر الفعل، وهي ضرورية في مثل هذه النصوص دفعًا لأيِّ لبس محتمَل، ومثل هذا كثير في النص 
الدستوري.
 وأغلب الظَّن أنَّ هذه العيوب طباعية، لكن كان من الممكن تلافيها بوجود لجنة فنِّية من المتخصِّصين باللغة العربية إلى جانب القانونيِّين لإخراج العمل بصورته الصحيحة واللائقة، بحيث لا يؤثِّر في سلامة دلالاته وحبكه وتماسكه.
المصادر: مدخل إلى علم لغة النص: ديبوجراند، ودريسلر/ التشريع بين الصناعة والصياغة: رافد البهادلي، وعثمان العبودي.