سياسة الاحتواء

آراء 2020/11/16
...

 محمد شريف أبو ميسم

الاحتواء مفهوم سياسي ينطوي على كثير من الدلالات ذات البعد الاستباقي، فهو تارة فعل عدواني حين يؤسس لآليات الترويض وتغيير ملامح التشكيلات السياسية والاجتماعية المستهدفة، اعتمادا على منهجي التفريق والتهميش وصناعة الفتن في اطار محكم من الفوضى وبسط النفوذ، وتارة أخرى فعل وقائي حين يعتمد الالهاء السياسي والتبني والاستقطاب واسلوب العقاب والثواب.  
وقد تكون سياسة الاحتواء مرحلة من مراحل الصراع مع الآخر الذي يظهر امكانيات عالية في التصدي، فتتجلى في البحث عن نقيض الآخر، ودعمه في سياق يفضي الى تبني طروحات الطرف النقيض والدعوة الى تحقيق طموحاته، فيتجلى الأمر وكأنه صراع أفكار أو مصالح بين الندين، بينما تتحقق لصالح الارادة التي تحرك الصراع أهداف سياسة 
الاحتواء .
وحين أتاحت أدوات العولمة الثقافية والاقتصادية مزيدا من امكانيات التدجين والتطويق، تجلت سياسة الاحتواء الثقافي في أسبقية التأثير في العقل والغرائز من خلال الأدوات السمعية والبصرية التي أخذت من وقت الفرد والجماعة ما لم تأخذه ساعات العمل اليومية، وانساق العقل الثقافي في المجتمعات التي عانت من النظم الشمولية ونتائجها (ازاء مؤثرات الاحتواء التي صنعها العقل الذي يحتكر اقتصاد المعرفة)، ليكون في صدارة انزياحات الوعي الجمعي، داعية تارة، أو مبشرا تارة أخرى لمتبنيات التغيير على وفق ما تمليه أدوات العولمة والمؤسسات التي تقف خلفها، مأخوذا بمخرجات مؤسسات العولمة الثقافية التي وظفت ملامح العيش في دولة الرفاه، بوصفها نتائج للحرية والملكية المطلقة، بينما تولت تداعيات مراحل صدمات التحول في تلك المجتمعات والتي أفضت لمزيد من الفوارق الطبقية وغياب العدالة الاجتماعية ومصادرة الفرص، مهمة التمهيد للقبول بالاحتواء الاقتصادي، بوصفه ملاذا آمنا من الجوع والفساد وضياع المال العام لصالح الطبقات التي صنعتها صدمة التحول نحو الديمقراطية والتعددية، وأفضت لمزيد من المعاناة التي تحملتها الطبقات المجتمعية بحسب مواقعها على سلم التشكيلات التي تم التأسيس لها، فتجلى ذلك بالدعوات الى تحرير السياسات النقدية 
والمالية وفتح  الأبواب  أمام الاستثمارالأجنبي دون ضوابط بوصفه حلا جاهزا لمعالجة الأزمات التي صنعتها تطبيقات نظرية الصدمة التي جاء بها الاقتصادي الأميركي «ملتون فريدن» لانتزاع رغبة الاتكاء على الدولة في المجتمعات الرعوية من العقل الجمعي وتوظيف حالة التخبط في سياق التأسيس لمجتمع قائم على الحرية والملكية والمسؤولية غير 
الملزمة.