النقد الخليلي

ثقافة 2020/11/17
...

د.أحمد الزبيدي
نتحدث عن الأوزان الشعرية وكأنّ الخليل بن أحمد الفراهيدي هو من صنعها وأنتجها وقدمها للشعراء هدية ما وراءها جزاء!.. والنقد العربي القديم لا يبالي له كثيرا حين يتحدث عن الظواهر الجمالية في الشعر، وربما أيضا اكتفى في ذكره عند تأليف كتاب يخص (تعليم العروض) بمعنى هو منهج تعليمي يُعرّف الدارس للعلوم العربية ما الأوزان وما تفاعيلها وزحافاتها وعللها، حتى أن أبا هلال العسكري الذي ألف كتاب (الصناعتين) لتعليم ناشئة الشعر والنثر لم يتناول الخليل بل لم يشهد له بالفضل، واستزيد لم يتطرق إلى الأوزان وتفاعيلها، وأرى أن السبب وراء ذلك هو أن الإيقاع الشعري موهبة لا واعية لا يحتاج الشاعر إلى من يعلمه أصوله وأصنافه. 
وعلى الرغم من أن الشعر العربي الحديث قد ابتدأ بالتمرد على الثوابت الإيقاعية وقوانينها المقدسة وتراتبيتها الثقافية لكنه يُكثّر من التوظيف لاسم الخليل وعروضه وأوزانه حتى بات بعض النقاد يطلق عليها بـ (الأوزان الخليلية)، وكأن ردة الفعل السيابية أو البياتية أو ما شابههما على العمودية الإيقاعية قد ولدت إحساسا بالذنب النقدي عند النقاد العرب فراحوا يذكرون الشعراء وزملاءهم النقاد والعامة والخاصة أن الأوزان هي بنية أساسية في تركيب الشعر وليست قضية شكلية يمكن التخلي عنها، وحين جاء المتمردون النثريون أكد أنصارهم النقاد أن (الإيقاع) لم يغادرهم، فهو كامن في البنيات اللغوية حتى ظهر مصطلحا (الإيقاع الداخلي والإيقاع الخارجي)، وفي كل تلك التحولات والسجالات يحضر الخليل بقوة فاعلة وكأنه حقيقة نقدية لا تعليمية، بل تحول إلى رمز أيقوني يشار به إلى الانبثاقية الإيقاعية الريادية، ومن هنا أُغْفِل الشاعر القديم، بل القديم جداً على زمن الخليل، ولم يذكر بوصفه منتجًا للقوانين الجمالية الإيقاعية، وإنما نذكره على سبيل (الأطلال) و(الرحلة) و(البداوة) وحين يكون الذكر متخصصا بالإيقاع تذهب الإشارة الريادية إلى النقاد وتحديدا الخليل بن أحمد الفراهيدي، بل يرغمون القراء على تنصيبه مكتشفا وناقدا إيقاعيا رغم أن الخليل نفسه نصح رجلاً أجهده وأعياه في تعلم العروض: 
إذا لم تستطع شيئا فدعه      وجاوزه إلى ما تستطيع