الاعلام الرقمي والتقليدي في الانتخابات الأميركيّة

آراء 2020/11/17
...

 عماد جاسم

لا يمكن الجزم في منح صورة موضوعية وشاملة عن أداء الاعلام في الانتخابات الأميركية الأخيرة، من دون تصنيف أنواع ومستخدمي ومروجي وفاعلي العملية التواصلية الإخبارية، التي رافقت هذا الفعل الديمقراطي في اعرق البلدان ترسيخا لمفهوم الإعلام الحر وتداول المعلومة، إذ تنوعت أدوات التفاعل مع هذا الحدث المهم بين وسائل تواصل تقليدية، متمثلة بالصحافة الورقية او التلفازية والإذاعية وبين وسائل غير تقليدية (حديثة) تتمثل بالتدوينات و التغريدات والكتابات والتعليقات في وسائل التواصل الإجتماعي والصفحات الشخصية او الممولة، والتي ترافقها الصور الساخرة والكاريكاتير التي كانت تحظى برواج ملفت في هذه الدورة الانتخابية تحديدا أكثر من الدورات الأخرى،

بفعل تنافس حثيث بين كارزما ترامب ذات الروح التهكمية المحفزة لشريحة المدونين والصحفيين على السخرية المضادة ، وكارزما بايدن الديمقراطي ذات الهدوء الواضح والتاريخ الطافح بالتصريحات الغريبة او  لنقل المتباينة القصد والتي تتناقض تبعا لظروفها والبيئة المصاحبة لقولها! ومن هذا المنطلق بدا الإعلام الأميركي على وجه الخصوص منقسما بين ترسيخ القيم الموضوعية، التي تتحلى بإعطاء الاهمية للمعلومة على حساب السخرية، وبين الإعلام الموجه لرغبات الناخبين والذي يستبطن محركات التغيير المعلنة او الخفية عبر إدوات المؤسسات المالية الراعية لهذه الوسيلة الإعلامية تلك. 
ويبدو أن المدونات الشبابية كان لها فعلها الساحر في تغيير قناعات الناخب الأميركي في الأسابيع الأخيرة من عمر انطلاق التنافس للوصول إلى البيت الأبيض، حيث أفرزت استطلاعات الرأي أن أكثر من سبعين بالمئة من صفحات التواصل الاجتماعي ذات التأثير الشبابي المتزايد حزمت أمرها باتجاه ترشيح بايدن على حساب ترامب، الذي بدأ على مدى أعوام من حكمه ذات نرجسية ونظرة استعلائية تجاه الصحافة عموما، مما خلق حالة نفور شبابي من طريقة التهكم المتبعة في حواراته أثناء المؤتمرات الإعلامية، مما شكل عند الصحفيين والشباب منهم تحديدا روحا من السخرية اللاذعة، التي انعكست في تدوينات وتغريدات فاقت في تأثيرها المجتمعي والانتخابي تأثيرات الإعلام التقليدي السائد على مدى الأعوام المنصرمة، والذي كانت تعول عليه الأحزاب المتصارعة على كرسي الرئاسة لأكبر بلدان الكوكب.
وسجلت الرسوم الكاريكاتورية حضورا مهيمنا إذ حفل الإعلام الرقمي على طغيان بل واستفحال خطر الصورة المرسومة الساخرة، التي لعبت او غيرت من قناعات الناخبين بابراز العلامات العدوانية او الصبيانية او المتشنجة للمرشح الجمهوري ذات النزعات الاستعراضية، في حين قللت من تلك السخرية لمنافسه المتعقل (نسبيا) بايدن ذات التصريحات الحذرة والتي تحترف اختيار المفردات العقلانية والجمل المنظمة بصوت اقل سطوة من صراخ المنافس الجمهوري، الذي خسر جبهة الإعلام التواصلي نتيجة ارتفاع نبرة التهم الموجهة لوسائل الإعلام عموما في أغلب ملتقياته 
الصحفية.
وبالرغم من نجاحات الاخير في ارتفاع معدلات التنمية والقضاء على نسب البطالة في العديد من الولايات، الا انه أخفق على ما يبدو في كبح جماح غرور الرأسمالي ذات الهوس النرجسي في مواجهة الإعلام المضاد ولم يفلح في كسب ود شرائح واسعة من الصحفيين، الذين شكلوا النسب الأعلى في تيسير قناعات الناخب باتجاه منافس لا يحظى بشعبية كبيرة، لكنه يحمل ملامح كارزما التعقل( الاوبامي) التي تثير تعاطف المشتغلين في حقول حرية الرأي وحقوق الإنسان وهي ما وضعته في ميزان التفوق لمروجي الثقافات المجتمعية ذات التأثير العالي في المجتمع الأميركي.