الدولة وبشارة الراتب

آراء 2020/11/17
...

  د. فاضل البدراني

أسوأ ما قرأته من عنوان خبري يقول « بشرى سارة نزفها للموظفين بإطلاق رواتبهم» وكأننا أمام مكرمة سخية تقدمها الدولة للموظف بالرغم من مرور 60 يوما على عدم استلام الراتب؟ أنها حالة اللاوعي بالمسؤولية تمارسها قوى تنفيذية وتشريعية وحزبية لخلق عتمة تؤدي بالمجتمع الى 
التشظي.
تجاذبات سياسية تتقاذفها أحزاب وقوى نفعية بشهية جائعة لا تشبعها كل الموارد المالية لا النفطية ولا الجمركية منذ 17عاما، وتتجاسر على مؤسسات الدولة العراقية، كل غايتها الحصول على موطئ قدم في منافذ جمركية برية وحقول نفطية وموانئ بحرية ومطارات جوية وسيطرات وهمية، لا بل ذهب كثير منهم الى فتح منافذ حدودية غير شرعية للتهريب رغما عن أنف المؤسسات الحكومية، فأصبحت بعض قوى النفوذ تفوق دول بالمنطقة من حيث وفرة القدرات المالية، حتى هبط مستوى الدولة الى حد العجز عن دفع رواتب موظفي القطاع العام والرعاية الاجتماعية والمتقاعدين، وهذه البشرى التي نقلت للموظفين هي أشد عقوبة تمارس ضدهم من الناحية النفسية وتغييب للوعي الإنساني بتوصيفها بشارة ومكرمة، فضلا عن كونها عملية خنق اقتصادي له تبعات سلبية عدة على حياة المجتمع بغياب السيولة النقدية وزيادة الفقر، وافرازاتها الاجتماعية بتفشي نسبة الجريمة وتشظي المجتمع والأسرة بزيادة العنف الأسري وارتفاع نسب الطلاق وزيادة التفسخ الخلقي والانتحار، كل ذلك يؤدي الى تراكم المخلفات، التي تنعكس على ارتفاع عدد السجون بسبب الأخطاء والجرائم، ما قد يجعل العراق مؤهلا لتشكيل وزارة تدير شؤون السجون.
إن تجاوز حقوق الانسان في الجوانب الاقتصادية هي من تبعات الممارسات السياسية الخاطئة والنفعية، التي يحتدم فيها الصراع بين أطراف عدة متحكمة بالقرار السيادي، إذ يحصل العبث بمقدرات البلاد على مستوى من غياب الوعي الوطني، حين تختفي العقول فتسكن في الجيوب الفاسدة، التي لا يدرك أصحابها مسؤولية بناء المجتمع وإدارة عجلة الحياة في البناء والتنمية والوصول للمستقبل بحركة متنامية سريعة. ولمحاكمة الأرقام بلغة المنطق، فالصادرات النفطية العراقية تبلغ 3،8 مليون برميل يوميا وبسعر يفوق الـ 40 دولارا، وبواردات شهرية لا تقل عن 3 مليارات ونصف المليار دولار الى جانب واردات المنافذ الجمركية وحركة الطيران الدولية عبر الاجواء العراقية، ومثلها واردات زراعية وان كانت بسيطة وجباية الضرائب من دوائر الضريبة والتسجيل العقاري وغرامات مرورية كبيرة جدا يوميا، وواردات الاتصالات والخدمات الصحية والعلاجية، والقائمة تطول لقنوات أخرى من الواردات. كل ذلك والدولة تزف بشرى الراتب بعد 60 يوما ؟ ومن يريد معرفة السبب وفك لغز العجب عليه أن يعلم أن ميزانية الدولة من واردات المنافذ لا يصلها سوى مليار دولار سنويا من أصل 13- 15 مليار دولار تمثل الواردات السنوية؟.
يقينا أن ما يحصل للعراق جراء غول الفساد يمثل فرصة سانحة للجهات الخارجية المعادية للنيل منه وتنتظر مزيدا من الإفلاس لتمارس دورها في تمزيقه والتوجه به نحو الفيدراليات، وبمساعدة بعض الأطراف الداخلية الداعمة لهذا الخطر، والدليل ان الراتب بعد شهرين يصبح بشرى
 سارة؟.