مقهى أبو زناد في محلة الشيخ علي

ثقافة 2020/11/18
...

 أسعد هزاع
لا تتسع المقالة لكتابة ذكريات ونوادر من يتردد بها وعلاقاتهم الطيبة مع صاحب المقهى عبد الله بن محمد الترمة الجبوري من آل أبو عميرة كنيته أبو زناد، كان المقهى بسيطاً بمحتوياته ولكنه ذو شأن كبير بوجود بطل الأساطير أبو زناد الرجل المحبوب الذي ترتاد الناس مقهاه للراحة والأنس والاستماع الى حكاياته وقصصه الكثيرة عن الذكريات والأمجاد والبطولات - قصخون - كانت الناس تتجنب تكذيبه أو الضحك أمامه مباشرة، خشية إثارة غضبه. فإنَّ على من يستمع له أنْ يصدقه وإلا سيدخل بمشاحنة معه، فرواياته لا يجوز لأحد أنْ يكذبها أو يستهزئ بها، وأبو زناد مخزونٌ تراثيٌّ يستحق الاهتمام لأنه طيب القلب رغم ما يبالغ به عن نفسه، ولا أظن أنَّ هناك كرخياً عاصره لم يسمع به فهو إحدى الشخصيات المعروفة التي أمتعت أبناء الكرخ بلطافته وحسن معاشرته.
 
 
داخل المقهى وعلى الجدار المواجه للشارع علق أبو زناد صورته وأسفل الصورة ضمن الجرجوبة عبارة - عُمدة صوب الكرخ وشيخ الحارة – الموت لأعدائه الخونة.
المقهى مغلق صباحاً ويُفتح في وقت العصر، يلبس أبو زناد خلال وجوده في المقهى دشداشة وحزاماً ويشماغاً في الصيف ومعها الجاكيت في الشتاء. أما في زياراته ومجالس العزاء والمناسبات فيلبس دميري وعباية ويصبغ شواربه إذا ظهر فيها أي بياض، قيافته وطول قامته تضيف له وقاراً واحتراماً شديدين أينما حلَّ وفي أي موضوع تكلم، حتى أنَّ أحد الأخوة حدثني، قال: إنه شاهد يوماً أبو زناد يروم الدخول لمدينة الطب مما حدا بالشرطي الواقف على الباب أنْ يأخذ له تحية عسكريَّة لفرط هيبته وخاصة مع شاربيه المفتولين وكبيري الحجم على غرار الشوارب الشامية.من الروايات الممتعة عنه كما يرويها أحد رواد المقهى قال: في إحدى السنين وفي أيام إقامة معرض بغداد الدولي ذهبنا الى المقهى وسمعنا أبو زناد يقول إنه ذهب الى المعرض قبل يومين وزار الجناح البريطاني وجرى له استقبالٌ حافلٌ من قبل مدير الجناح البريطاني الذي أخبره بأنَّ صورته في بريطانيا قد وضعت بجانب صورة ملكة بريطانيا اليزابيث، استمعنا للرواية وصمتنا خوفاً من أنْ تظهر ضحكة أو ابتسامة فيغضب أبو زناد غضباً شديداً.
كما يروى من قصص أبو زناد الشهيرة أنه في أحد الأيام وخلال الحرب العالميَّة الثانية جاءه اثنان من الجنود الألمان وأبلغوه أنَّ هتلر يطلبه على الفور، أبلغهم أنْ يشربوا الشاي معه وسيذهب معهم الى ألمانيا، وفعلاً عند وصوله ألمانيا وجد حشوداً مليونيَّة بانتظاره في المطار وعلى رأسهم هتلر بنفسه وعند نزول أبو زناد من الطائرة استقبله هتلر، وأثناء مروره من خلال الحشود المليونيَّة من الشعب الألماني سمعهم يتهامسون في ما بينهم يقولون هذا أبو زناد عرفناه لكنْ من هذا الذي معه، أي أنَّ الألمان يعرفونه أكثر من هتلر.
وأبو زناد رجلٌ لا يتكرر، قال أحد رواد المقهى: زرت المقهى في أحد الأيام ووجدت أبو زناد جالساً وبحالة غضب، فسألته عن السبب، قال إنَّ أحد الأشخاص استهزأ بكلامه، ولكنَّ أبو زناد يؤكد: والله ركعته راشدي اهتزت الأرض بحيث واحد من بيوت هدن جان نايم وكعد عل الصوت والبردات مال الشباك صارت تهفي.
وللبعض مع المرحوم ابو زناد "عبد الله ابن محمد الترمه الجبوري" ذكريات تطول كتابتها، معظمها افتعال، فالذي يُقبل في كليات "القوة الجوية أو العسكرية او الشرطة "يقول له بالمقابلة سألوني يعرفك أبو زناد؟ فإذا قال نعم يعرفني يقولون له إذاً أنت مقبول، وكنا ننقل تحيات وهميَّة من كبار مسؤولي الدولة - يذكر السيد رعد البيدر في العام 1975 كان برتبة ملازم في قاعدة الشعيبة الجوية وفي حينها كان آمر القاعدة عقيداً، قلت لأبو زناد إنَّ نعمة الله خليل يسلم عليك قال يا نعمة ما أعرفه.. قلت شيخ شلون متعرفه - هو سألني انت منين قلت من الشيخ علي قال تعرف أبو زناد. قلت طبعاً سيدي أكو كرخي ميعرف شيخ الحارة وعمدة صوب الكرخ - قال يعرفك؟ قلت طبعاً قال سلملي عليه - الرجل صحيح آمرنا لكنَّ قصة السلام كلها وهميَّة لمزيدٍ من المقالب اليوميَّة ولمعرفة رد فعل أبو زناد حول السلام.
يتقاطع شارع الشيخ معروف من جهة اليمين مع فرع واسع وطويل يؤدي إلى (تانكي) الماء ويمتد بالعمق ليصل إلى سكة القطار. الشارع – الفرع ذو تفرعات على اليمين واليسار وفي عمقه تقاطعان الأول والثاني يؤديان إلى سوق الرحمانية والأيسر إلى مقبرة الشيخ معروف والمصلخ وعلوة السمك، لا يتسع المجال لمزيد من الوصف؛ لكن سنستعرض الجانب القريب من شارع الشيخ معروف ونترك البقية للراغبين في الكتابة عنها أو لفرصة أخرى قد نكتب فيها.
تسلسل بيوت قدوري الحداد الركن على الشارع العام وشارع التانكي هو بيت الحاج محمود القدوري أولاده منذر وقيس والحاج مثنى وصالح، يليه بيت هادي وجبر صالح قدوري الحداد في الوسط - أولاد هادي المهندس حداد - المترجم في BBC في بغداد وصديقنا عماد الملقب عماد دراكولا. ومحمد هو الابن الوحيد لجبر الحداد، ثم بيت مهدي القدوري من الركن على شارع التانكي وعلى شارع 96 أول دربونة توازي الشارع العام سبق أنْ أشرنا لها من مدخلها على شارع الشيخ معروف أولاد مهدي قدوري الحداد السادة المرحوم سعد زميلي في الجامعة المستنصرية ورعد وأصغرهم عبد القادر حجي قدوري الله يرحمه خريج كلية الإدارة والاقتصاد - توفي قبل الاحتلال بسبب ارتفاع مفاجئ بالضغط - كان قمة بالأخلاق والالتزام الديني، يُقابل بيت مهدي من الجهة ذاتها ركن على الشارع 96 بيوت حجية شنونة أم خليل، حميد، محمد (حميني) - جميعهم لهم محال قصابة في سوق الرحمانيَّة يجاورهم محل رزوقي أبو الثلج ثم أشهر محل عطارية في المنطقة المرحوم حسن خلف الجميلي أبو ماجد - وهو ضعيف البصر، ثم فقدَ بصره كاملاً - كان الفضل في تنامي المحل إلى ابن خاله الأخ المرحوم الحاج العقيد جاسم محمد شيحان الجميلي قبل التحاقه في كلية القوة الجويَّة. محل عطارية حسن الجميلي يقابل بوابة (تانكي) الماء ذا البناء الكونكريتي المتميز والذي كان يزود جميع مناطق الكرخ بالماء الصافي قبل أنْ يستعاض عنه بالضخ الكهربائي، عندما نذكر تانكي الماء نتذّكر خبيره الأوحد جاسم أبو البوريات الذي كان يتنقل على البايسكل ويسكن في دربونة غريبة، وهو من بيت فليفل وجاءته الخبرة من أنه يعرف قفل كل دربونة وشارة ومسار كل أنبوب في الكرخ مع ملاحظة مهمة أنَّ التانكي كانت تشغله دائرة ماء الكرخ يحيطها سور عالٍ وحديقة كبيرة مليئة بعشرات القطط لكون أنَّ كل بيت تلد فيه قطة يجلبون صغارها للتانكي بدلاً من رميها في الشارع رأفة بهم وعلى ذكر التانكي يتذكر أهالي المنطقة المطحنة التي خلفه، حيث ترسل الأمهات أبناءهم لجلب التراب حنطة لغسل الأواني خصوصاً أواني الخزف أو الفرفوري.تانكي الماء (التسمية الرسميَّة خزان ماء الجعيفر)تاريخ منطقة الشيخ علي وناسها الأموات والأحياء يُلزمنا بالإشارة إلى المعركة الطاحنة والتي سميت بدكة الجبور والتي جرت في منطقة الشيخ علي عام 1956 بين اللهيب والجبور وصارت جزءاً تاريخ المنطقة. للمزيد من الوضوح فإنَّ معظم اللهيب في المنطقة لقبهم الجبوري في الجناسي والسجلات؛ لذلك سُميت دكة الجبور أو- كونة الجبور - التي راح ضحيتها أشخاص من الطرفين، بسبب خلافات عد البعض في أحاديثهم أو كتاباتهم ذات علاقة بموضوع استحقاق مختارية الشيخ علي التي كانت عند بيت قدوري الحداد (اللهيب) وكان الجبور يرون أنها من حق البوعميرة. قد يكون موضوع المختارية نواة المشكلة؛ أما سببها الرئيس فهو التآمر الذي حصل وراح ضحيته شابٌ في أواسط العشرينات من عمره من اللهيب هو المرحوم محمد خميَس البيدر والد المرحوم حاتم واللواء الطيار الركن الدكتور رعد والشهيد الملازم مضر أول شهداء الجيش العراقي، مضمون الحديث لرجُل كبير في العمر ومحايد يقو : ربما من غير الملائم أنْ أذكر أسماء أناس أموات كان لهم شأنٌ في
 القضيَّة.
تكتلت بيوتات الجبور من أفخاذ جبور البو العميرة والكضاه والبو خطاب بجانب، واللهيب بجانب وللحقيقة والتاريخ هناك أسرٌ من الطرفين لم تقحم نفسها في الموضوع؛ لأنهم عدوها مشكلة أقارب في ما بينهم. ظل التوتر يتصاعد وبعد مرور سنة على وفاة أبي حاتم - محمد خميس البيدر؛ استشاط غضباً أحد شباب اللهيب من أبناء عمومته وكان من ذوي النخوة والشجاعة و(زلمة ليل) كما يصفه أهل الغيرة والضمير الحي - هو المرحوم عبد الوهاب (هوبي) أحمد حسين البندر فأشعل فتيل القتال من السطوح والدرابين وقُتلَ مغدوراً بذلك تحقق للمتخوفين التخلص من أشجع شابين في اللهيب على وصف وتقييم الكاره والمُحب، وعند عودة المشيعين من مقبرة الشيخ معروف صادف مرور (مجيد روبية) وهو جبوري من فخذ الكضاة من أهالي الفلوجة حذره الناس بالابتعاد عن طريق مسير اللهيب الراجعين من دفن شاب؛ لكنه قال (آني شعليه.. آني لا من ذوله ولا من ذوله) فعده العائدون من التشييع تحدياً من جبوري في ساعة غضب؛ فكان مصيره في الحال عدداً من رصاصات مسدس المرحوم فهد سعود
 أبو ثامر.
لا مجال للإطالة عن حوادث مضى عليها 65 سنة، وصار أبطالها وخونتها وجبناء الفعل فيها.. في ذمة الله ورحمته. استمر الرمي من السطوح وحركة الأهالي صعبة في الدرابين القريبة من جامع الشيخ وتدخلت الشرطة بالسيطرة على تحركات الناس وتوزعت الشرطة في أركان الدرابين.
في ذاكرة الراوي الكثير من التوضيح عن هذا الموضوع وتطوراته -؛ لأنه صار جزءاً من التراث التاريخي للمنطقة حتى صار بعض المعمرين يربطون أحداث تاريخية بـ(قبل، مع، بعد) دكة الجبور لكنه اكتفى بهذه الحقائق القليلة لكي لا يشوه الأحداث من لا يعرف الحقيقة بما حصلت.