عبدالامير المجر
في واحدة من افاضاته المهمة، يتوقف البروفسور علي الوردي عند مسألة السلطة في المخيال الشعبي، وتحديدا عندما تستقر في الاذهان صورة لحاكم ما في التاريخ، على انه مستبد، ويقف بمواجهته رمز عادل يتمثل بنبي او ولي صالح، او هكذا تقدمه الكتب المقدسة او كتب السير وغيرها، وانطلاقا من هذه الثنائية (الصالح – المستبد) تنحاز الناس الى الاول (المقدس)، وترى من الظلم ألا يسلمه المستبد السلطة! يرى الوردي ان الامر اكبر من هذا التبسيط، فالحاكم ليس فردا ليقرر مصيره الشخصي، وانما رمز لمنظومة كبيرة من وزراء وولاة وحاشية وقادة عسكريين ومستفيدين وغيرهم، ممن يرتبط مصيرهم بمصيره، وانقل هنا بالمعنى، فالنظام السياسي ليس بالضرورة الاشخاص الذين يمثلون الحكومة فيه، بل هو فكرة ومشروع، قد تتبدل الحكومات داخله، لكنه يبقى، مثلما يبقى المدافعون عنه. اميركا اليوم لم تعد فقط الدولة الموجودة في حدودها، بل باتت نموذجا عالميا للحكم، يتمثل بالعولمة، تماما كما كان الاتحاد السوفيتي يناصفها ذلك، وان رؤساء وملوكا وزعامات كبيرة، بمن يقف وراءهم من شعوب وجماعات، ومؤسسات كبرى، اقتصادية ورياضية وسياحية وثقافية وغيرها، بات استمرار وجودها وازدهارها يقترن بوجود النموذج الرأسمالي الذي تقوده اميركا اليوم، وان تغيير هذا النموذج يحتاج الى ثورة كثورة اكتوبر الاشتراكية في العام 1917 وبرؤية جديدة، ودولة بحجم الاتحاد السوفيتي وبقوة اكبر، لكي تتغير الموازين في العالم، بعد ان يصبح مصير جهات مهمة كالجهات المشار اليها مرتبط بالوضع الجديد.
يراهن البعض على تغيير الرؤساء في البيت الابيض، ويعتقدون ان تغييرا جوهريا سيحصل في السياسة الاميركية بمجيء هذا وذهاب ذاك، اعتقادا منهم بوجود اختلاف كبير في توجهات الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وهذا محال، كونه يتعارض مع مصالح ساسة مؤثرين في العالم ومؤسسات كبرى مختلفة تغذيها السياسة الاميركية وتتغذى منها، لكن قد تحصل بعض التغييرات ذات الطابع الاجرائي التفصيلي، اما رؤية جديدة او نموذج جديد، فما زال ينتظر وصول النموذج الحالي الى طريق مسدود، وقد ينطلق من اميركا نفسها ويرث قوتها ليعيد انتاجها من جديد كقوة عظمى وبعقيدة مختلفة، لكن ربما بعد عقود وليس الآن
بالتأكيد!