هدية حسين
رواية “بيت الجمال” للكاتبة الكولومبية ميلبا إسكوبار، رواية نسوية بامتياز، تُدخلنا فيها مؤلفتها الى هذا البيت متتبعين خطى بطلتها الطبيبة النفسية كلير، ومنها إلى الشخصيات التي نسجت منها، وكلير هي ابنة مهاجر جاء من فرنسا إلى بوغوتا في كولومبيا لإنشاء مصنع للفولاذ، فولدت كلير هناك، وعاشت حياة أشبه بالعزلة لأن كثيراً مما تراه في المجتمع لا يعجبها، ولم تكن على وفاق مع زوجها فانفصلت عنه وفضلت أن تعيش كما تريد، وذات يوم وهي تمارس رياضة المشي شاهدت بناية لفتت نظرها تحمل في واجهتها عبارة “بيت الجمال” فقررت أن تدخله من باب الفضول، ومن هذا البيت تبدأ أحداث الرواية.
“بيت الجمال” مركز متخصص بكل عمليات الجمال التي تخص النساء، كريمات ومرطبات البشرة، وشد الجلد، وعلاج التجعدات، والتنحيف والتدليك، والعطور، تديره إحدى السيدات بشروط صارمة للواتي يرغبن في العمل فيه، ويتم التركيز في الرواية على العاملة “كارن” التي جاءت من مدينة أخرى للعمل أملاً بتحسين وضع أسرتها المادي، وكانت تشعر منذ بواكير عمرها بأن المرأة في هذا المجتمع تعد أقل قيمة من الرجل، بل إن أكبر مأساة في الأسرة هي ولادة أنثى، ومع مرور الأيام استطاعت “كارن” أن تكسب ثقة مديرتها وثقة الزبونات أيضاً، اللواتي يفرطن أسرارهن عندها، وهي من جانبها تحفظ تلك الأسرار.
تُعجب كلير بكارن، بمظهرها ودقتها في العمل، ومن خلال تلك العلاقة نتعرف على حياة كارن المتفانية بعملها وتاريخ أسرتها، وتفاصيل عن عالم الجمال في هذا البيت، ثم شيئاً فشيئاً تصبح كارن مركز الاهتمام بعد أن جاءتها شابة صغيرة تدعى صابرينا غوثمان طالبة منها أن تجمّلها لأن لديها موعداً حميماً، لكن صابرينا تموت في اليوم التالي، ومن هنا تأخذ الرواية منحىً بوليسياً، بين أن تكون صابرينا غوثمان قد انتحرت أو قُتلت، وإذا ما كانت قد قُتلت فمن هو قاتلها؟ لهذا السبب تستدعى كارن للتحقيق لأنها آخر من التقاها، ومن خلال سياق الأحداث نتعرف على حياة صابرينا المعقدة التي قادتها الى العهر.
الرواية لا تقف عند حدود هذه الحكاية، بل تقوم المؤلفة ميلبا إسكوبار بالتوغل في بنية المجتمع الكولومبي، وفي عمق شخصياتها المتأزمة عبر المرور على ما يحدث في هذا المجتمع الذكوري الذي يهين المرأة ويسرق الأمان وينشر الفوضى فيعم الفساد ويستشري لدى الطبقة الحاكمة وعامة الناس المبتلين باللصوص من كل نوع، فالكل يسرق الكل، وتنتشر بيوت الدعارة لصالح فئة متنفذة توقع بالنساء لتحقق الأرباح الطائلة، وبالعودة إلى كارن العاملة في بيت الجمال فإنها تتعرض للاغتصاب من قبل صاحب البيت الذي تسكنه، وتُسرق مدخراتها، ومن أجل أن يضيع حقها وتُطمس معالم الجريمة التي تعرضت لها تُتهم بعدة جرائم وتدخل السجن، وهناك تكتب مذكراتها.
سرد مشوق، ولغة آسرة، وأحداث كثيرة وشخصيات عدة، كل شخصية تكشف عن خلل في المجتمع أو تعاني من عقدة ما، أو تستحوذ بطريقة ما على منجزات الآخرين، فهذا الكاتب (إدواردو) لا يخجل من وضع اسمه على أول كتاب لزوجته قدمته له لقراءته، ثم توالى السطو على كل كتاب تؤلفه، وبقيت الزوجة تعيش في الظل ولم تكترث للأمر لأنها تحبه جداً، فيما هو يعيش تحت الأضواء وبين المعجبين وحفلات التوقيع، وهو نفسه سيكون له دور في التغطية على قاتل صابرينا غوثمان لأنه ابن صديقه العضو في البرلمان.
رواية بيت الجمال زاخرة بالأحداث وتنوع الشخصيات والحكايات، رواية بلد اسمه كولومبيا، ما إن تنتهي من قراءتها حتى تشعر بأنك كنت في رحلة استكشافية ممتعة ومثيرة لما يحدث في هذا البلد الذي تسيطر فيه المافيات بالتواطؤ مع المتنفذين في الحكومة.
هذه الرواية هي الثانية للكاتبة ميلبا إسكوبار، وحازت على الجائزة الوطنية في كولومبيا، ترجمها إلى العربية إدريس ولد الحاج وصدرت عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء.