قانون الجريمة المعلوماتية في العراق

آراء 2020/11/24
...

  حسين المولى

                         
        
من بوادر القول إنه لا بُدّ من وجود هكذا قانون وبأسرع وقتٍ في العراق، بسبب ما يُعانيه العراق من مشكلات تحيط بالمجتمع، جَراء وجود أفعال تغزو العالم الالكتروني، وهي غير مُجرمة في القانون، مع العلم أن هكذا أفعال من اللازم أن تُجرم لما تمس بالمجتمع، وما نجد من وجود مشروع القانون الذي طال المدى بوجوه في مجلس النواب العراق منذ ٢٠١٩ وإلى الآن، ولكنه يُحاط بمجموعة من المُشكلات ومما يستدعي للمشرع التريث في إقراره حتى يخرج القانون بالصورة الكاملة والمُتكاملة، فمن أبرز هذه المشكلات هو عنوان القانون الذي يحيطه النقص، فما معنى ان يسمى القانون بقانون الجريمة المعلوماتية؟ هل هو قانون للتعريف بماهية الجريمة فقط أم ماذا؟    
فلا يقدح في القانون ان تضاف له كلمة مكافحة ليصبح قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية، وبهذا كان على المشرع أن يسير على خُطى التشريعات المُقارنة بهذا الخصوص، فمثلا في دولة الامارات العربية المتحدة يُسمى قانون مكافحة جرائم تِقنية المعلومات، وفي المملكة العربية السعودية نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، وفي الكويت في عام ٢٠١٥ أقر قانون رقم ٣٦ وسُمي بقانون مكافحة جرائم تِقنية المعلومات، فكان على المشرع العراقي الاحتذاء بهذه التسميات ولا يخرج عن ركبها، في الفهم العام من هذا القانون وبالتسمية التي فيه الآن هو مجرد توضيح عن ماهية هذه الجرائم، ولكن مع الدخول في فحواه القانون، نجده هو لردع مرتكبي هكذا أفعال.    
فالقانون في فصله الاول بادر في تعريف لمصطلحات القانون، وهنا نجد هذا الشيء مستحسنا في أغلب القوانين المقارنة، حتى لا يحصل هنالك لَبس في فهم النصوص، وكان من اللازم تفصيلها بشكل أكبر.
وبما يخص الجرائم وعقوباتها، فالمشرع هنا مع ما تميز به القانون، الا أنه في بعض النصوص قد جعل لها مجال حَيرة عند التطبيق فتعريف بعض المفردات لا بُدَّ من توفرها في القانون، مع ايماننا التام بالقضاء وحُسن فهمهِ للنص العقابي، فمثلا في مشروع القانون وحسب مادته الثالثة اولا فقرة -أ-  المساس بالنظام السياسي هنا أيضًا نحتاج إلى رَوية في ذلك، حتى لا تُقيد حرية بعض الناس في سبيل إنها قد تكون ماسة بالنظام، ولا بُدَّ من التفريق بين النقد البَناء وبين الاعتداء، وما جاء في الفقرة - ب- من ذات المادة نجد ورود كلمة "معادية" وهنا من الممكن ان يكون الباب مفتوحا، لدخول مجموعة كبيرة تحت طاولة هذا المصطلح، وكما عُدنا بأن النص القانون يجب أن يكون جامعًا مانعًا. 
وحسنًا فعل المشروع في مسودة القانون هذا، حيث أرفد فصلًا خَاصًّا بإجراءات جمع الأدلة والتحقيق والمحاكمة، فتضمنت نصوص المواد في هذا الفصل، ومن منجزات هذا القانون هو جعل الاختصاص في نظر هذه الجرائم لمحكمة جنح أو جنايات الرصافة، وقد حدد مدة ثلاث سنوات من جعل الاختصاص في نظر هذه الجرائم ومن تاريخ نفاذ القانون، حيث تكون هذه المحكمة مختصة في النظر بهذه الدعاوى من نظرها حتى حسمها واكتساب الحكم درجة البتات.      
حيث من اللازم ذكره أن معالجة جرائم مثل الابتزاز الإلكتروني واختراق الصفحات والسب والقذف الإلكتروني والتهديد، هي جرائم من الممكن أن تكون تحت طائلة القواعد العامة، ولكن طريقة الكشف عنها وإثباتها هي ما تجعل هذه الأفعال المجرمة في الواقع صعبة الإثبات، بسبب خبرة الجناة في إخفاء الأدلة التي تدينهم، حيث إن الدليل الرقمي هو دليل يحتاج لخبرة كافية للتعامل معه.    
ومما يجدر توضيحه أن المحرر الإلكتروني جاء تعريفه في مسودة قانون الجريمة المعلوماتية العراقي بأنه رسالة تتضمن معلومات تنشأ أو تدمج أو تخزن أو ترسل كُلِّيًّا أو جُزْئيًّا بوسيلة إلكترونية أو رقمية أو ضوئية أو بأية وسيلة أخرى متشابهة.    
ونجد أن قرار محكمة استئناف المثنى الاتحادية في الهيئة التمييزية في العراق بخصوص الدليل الرقمي، هو مشاطرة لتعريف المحرر الإلكتروني كما جاء في مسودة القانون، حيث عَدت تزوير صفحة في برامج التواصل الاجتماعي من قُبيل المحررات الإلكترونية، وقد أعادت الدعوى لمحكمة تحقيق الخضر، ويرى الباحث أن هذا القرار هو صورة من صور الاجتهاد القضائي المميز، الذي يمتاز به القضاء العراقي، وذلك لخلو التشريع العراقي من قانون الجريمة المعلوماتية.    
الجدير بالذكر أن قانون التوقيع الإلكتروني العراقي قد أعطى الحُجيّة الكاملة للدليل الإلكتروني، وقد ساوى بين الدليل الرقمي والدليل التقليدي، ولهذا جاءت المادة ١٣ من قانون التوقيع الإلكتروني العراقي، حيث أكدت على أن للمستند الإلكتروني الحجية نفسها، التي تتمتع بها المستندات الورقية، وهنا تكون سلطة القاضي في قبول المستند الإلكتروني هي اَلسُّلْطَة نفسها في قبول المستند الورقي.    
نستنجد في هذا أن المشرع العراقي في قانون التوقيع الإلكتروني، قد ساوى بين الحُجيّة القانونية للمستندِ الورقي وكذلك أعطى وبشكل صريح الحجية القانونية للمستند الإلكتروني.   ومما تقدم لا بُدّ للمشرع العراقي السعي بشكل حثيث وواسع، في سبيل تشريع قانون الجريمة المعلوماتية بعد تعديل التسمية واستشارة خُبراء في تقنية المعلومات، لمعالجة الكثير من المشكلات، لأنه في الطبع سَيُساعد للحد من هذه الجرائم التي باتت تعصف بالمجتمع، ووضع حد لضعاف النفوس في استغلال الواقع الإلكتروني لتحقيق أهدافهم الخبيثة في زعزعة المجتمع، وللحد من الجرائم، التي تقع على المؤسسات الحكومية من خلال اختراقها والعبث ببياناتها وبمعلوماتها.