حسين الذكر
في الثمانينات وحتى التسعينات، صحيح الأمور كانت تدار مركزيا حد القبضة الحديدية والنظام، كما ان النظام وظف الملفات الفنية لخدمته وادارها بطريقته واشرافه.
لكن ذلك لا يعني عقم الفن ولا استسلام الفنان العراقي لتلك الأطر، فقد نجح البعض بتمرير الكثير مما يعبر عن معاناة الشعب، بالتورية والرمزية، وأي طريقة قد تعد مجازفة مميتة أحيانا، من جهة أخرى، انعكس ذلك التوظيف الى دعم اغلب الفنون من قبيل المسرح والسينما والتمثيل والشعر والموسيقى
والدراما، وغير ذلك من ملفات إبداعية، اليوم نجد أن اغلب الفنون تعيش على الهامش، وما يعنيه ذلك من مرحلة انعاش، فالمسرح – على سبيل المثال - لم يعد له حضور، اما الدراما فقد توقف
الدعم لها تماما، الا بالبرامج الرمضانية التي، اغلبها مدعومة من قبل القطاع الخاص بطريقة تستنزف جهد وابداع
الفنان، الذي لو لا حرصه على الحضور والانتماء لما تحمل العناء، فضلا عن احساسه بأداء واجب وطني، ما زال برغم كل الظروف يؤمن
وينهض به.
إنَّ الامة التي لا تمتلك هوية ثقافية، لا يمكنها أن تصل ذروة الحضارة ولا تمتلك قدرة التطور والصمود امام مطبات الحياة، فاذا كان العقل يعنى بالبحث عن الحقيقة كذروة فكره، بينما تختص الاخلاق تحت جميع عناوينها بتأدية الواجب، الا أن الفن والجمال لا يعبران، الا عن ذوقية ووعي الامة بحاضرها وماضيها ومستقبلها.
يعد شارع المتنبي وما يدور حوله، من أهم اللوحات الاستنشاقية، التي تلجأ اليها أغلب النخب البغدادية صباح كل يوم جمعة، وقد التقيت الدكتور عقيل مهدي بتاريخه وعمقه الفني المسرحي، فأقتنصت اللحظة وانتهزت الفرصة، وسألته عن حال المسرح العراقي فقال:
(التجربة المسرحية يمكن مقاربتها بلعبة كرة القدم، اذ لها لاعبون بمهارات معينة محددة بعمر مرحلي، كذلك المسرح لا يمكن أن
يلعب ممثل مستجد دورا رئيسا، هذا اولا، ثانيا صعوبة الحصول على تخصيص مالي لانتاج العرض، ثالثا الهيمنة على المسرح، وفقا لمعايير وأسس لا تمت للفن
بشيء).
هنا همهمت بنفسي واضعا سببا اخر، اذ إن الفن في العراق وأغلب الدول العربية تقريبا يعبر عن نتاج مرحلة سياسية ما، وما افرزه الواقع الجديد بسرعة التسلق على قمم الهرم المؤسساتي مع عدم امتلاكهم خبراته، فضلا عن تشبثهم بمغانم حلبه، لاسيما بعد ان تشبهوا بالفنانين ولبسوا ازياءهم وتحدثوا بلغتهم وان لم تكن لأغراض فنية.