الصباح تناقش مع خبراء الضريبة دورها الإيجابي في الحياة الاقتصاديَّة

اقتصادية 2020/11/24
...

  بغداد: حسين ثغب و عماد الامارة
 
يعد مفصل الضرائب رافدا مهما لموازنات الكثير من دول العالم، لاسيما الكتل الاقتصادية المهمة، حيث توضع أنظمة محكمة تنظم الواقع الضريبي، الامر الذي يحتم علينا الافادة من تجارب دول العالم في هذا المفصل المهم، ولأهمية الموضوع تقدمت الصباح بعدد من الاسئلة لخبرات اقتصادية وطنية للوقوف عند اهم المشكلات، التي تواجه استحصال الضرائب والحلول الناجعة لها. 
استشاري الأزمات المالية والمالية العامة الدكتور احمد الحسيني "لا يخفى على الجميع اهمية مورد الضريبة في تمويل موازنات الدول وتقديم الزخم المالي للديمومة المالية للنشاط الاقتصادي الحكومي، اذ يشكل هذا المورد المالي نسبة كبيرة في موازنات الدول المتقدمة والدول المصنفة ضمن الدول متوسطة ومرتفعة الدخل"، لافتا الى ان "في العراق فان هذا المورد المالي يعد مفقودا او عديم الفائدة من وجهة نظر تمويل النفقات العامة، اذ لم يشكل سوى نسبة 1.4 بالمئة بالمتوسط للاعوام 2018- 2020 وحتى في السنوات السابقة ومنذ تغيير النظام السياسي في العراق في عام 2003 لم تتجاوز نسبة الايرادات غير النفطية وبضمنها الضرائب الـ 7 بالمئة من اجمالي الايرادات العامة". 
 
هيكل الاقتصاد العراقي
واضاف اذا "اردنا البحث في هذا الموضوع والبحث في جذور هذه المشكلة المتأصلة في هيكل الاقتصاد العراقي وبالاخص هيكل الموازنة العامة العراقية، يمكننا اجمال هذه الاسباب بضعف التشريعات الخاصة بالتحصيل الضريبي وعدم مواكبتها للتغييرات، التي طرأت على النظام الاقتصادي بعد 2003 والتي قادت الى هدر مالي كبير ونزيف للموارد المالية للموازنة العامة للدولة، تمثلت بالتهرب الضريبي، اذ يعد أسلوب أو طريقة تحصيل الضريبة أياً كان مقدارها أو نوعها من أهم أسباب التهرب الضريبي، لما فيه من عنصر الإكراه أو الإجبار أو عامل القوة والقهر".
 
إخفاء وعاء الضريبة
اما عن ابرز اسباب التهرب الضريبي بين الحسيني انها تتمثل في ارتفاع نسبة الضريبة، فكلما ارتفعت نسب الضرائب، كلما زاد الدافع لدى المكلفين على إخفاء وعاء الضريبة، والعكس صحيح، والظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد، من رخاء أو كساد، ففي أوقات الرخاء يقل التهرب، بينما يزداد في أوقات الكساد حيث تقل الأموال، فضلا عن  درجة انتشار الوعي الضريبي، فكلما ازداد شعور الأفراد بواجباتهم تجاه الدولة، كلما قل الدافع للتهرب من دفع الضريبة، والعكس بالعكس، وكذلك سياسة الدولة الإنفاقية، وطبيعة الجزاء، الذي تفرضه الدولة على مرتكبي مخالفة التهرب الضريبي". 
‌واقترح الحسيني "منح مكافآت وامتيازات عينية لمن لم يتخلف عن (تسديد الأقساط) دفع الضريبة في موعدها المحدد للسنوات الثلاث الأخيرة، والحرص على بناء علاقات عامة طيبة مع جميع المواطنين وذلك بتمكين المواطنين من الإطلاع على جهات إنفاق مبالغ الضرائب المجمعة سنوياً وبشكل تفصيلي بكل صدق وأمانة، باستخدام وسائل الاتصال المتاحة في المحافظة، فضلا عن تخصيص جزء من مبالغ الضريبة".
 
جباية ضريبة الدخل
تابع ان "جباية ضريبة الدخل لا تتم بطريقة واحدة، فمنها ما يجبى عند المنبع، مثل الضريبة على رواتب وأجور العاملين في القطاعين العام والخاص في العراق، إذ إن هذه الطريقة كفيلة بمنع التهرب لأنها لا تدع مجالاً لصاحب الدخل من إخفاء دخله كلاً أو جزءًا على اعتبار أن الذي يدفع الضريبة غيره، وهذا الأخير لا مصلحة له في إخفاء أو تقليل الوعاء الخاضع للضريبة".
وقال: "أما الدخول الأخرى لأصحاب المهن والمصالح والتجار والمقاولين والمزارعين وأصحاب السيارات الإنتاجية وغيرها، فإن طريقة جباية الضريبة تقتضي مراجعة المكلف إلى الدوائر المالية لسداد المبلغ المستحق عليه لهذه الدوائر كضريبة على الدخل، ونظراً للصعوبات التي يواجهها المكلفون في تسديد الضريبة، خصوصاً عند نهاية السنة المالية من جهة، والصعوبات التي تعاني منها دوائر الضريبة كتلك المتعلقة بزيادة، بل مضاعفة حجم العمل عند قرب نهاية السنة المالية وعدم مراجعة جميع المكلفين لتسديد ما عليهم من ضرائب مستحقة خلال العام (التهرب الضريبي) من جهة أخرى، ولتذليل هذه الصعوبات وتخفيف معاناة دافعي الضرائب عند مراجعة الدوائر المالية نقترح تطبيق الأسلوب الافضل قبل الدوائر المالية".
 
حملات إعلانية واسعة
اشار الى "اهمية قيام وزارة المالية بحملات إعلانية واسعة ومكثفة في جميع وسائل الإعلام المتاحة في العراق لنشر الوعي الضريبي بين المواطنين لإقناعهم بأن الضريبة هي جزء من واجب المواطنة والانتماء، وإنها تستخدم لتقديم الخدمات العامة للمجتمع ومن دونها سيحرم المجتمع من مثل هذه الخدمات، فضلا عن جعل المواطن يلمس على الأرض بشكل فعلي الفائدة، التي تعود عليه من حصيلة أموال الضريبة، وذلك بتحويل المبالغ المجمعة من الضرائب لتمويل المشاريع ذات النفع العام بجميع المحافظات وذلك بتقسيم واردات الضرائب إلى حصص". 
 
تقسيط مبلغ الضريبة
واكد لتشجيع دافعي الضرائب لا بد من تقسيط مبلغ الضريبة على شكل أقساط شهرية أو فصلية أو نصف سنوية بحسب رغبة المكلف، بعد تقدير هذا المبلغ وتبليغ المكلف بمقداره خطياً، وإعطائه الخيار في أن يدفع المبلغ كاملاً نقداً أو بصك أو بالأقساط بغية تخفيف العبء عن كاهله، وتسهيل عملية الدفع وذلك بإعطاء المكلف الخيار بدفع قسط الضريبة بتوسيط المصارف الحكومية أو الأهلية أو دوائر البريد كل في المكان الذي يرغب لقاء وصولات نظامية رسمية، وفق آلية تتفق عليها الدوائر الضريبية والبنوك في المحافظات، من دون تحميل المواطن أية رسوم أو فوائد إضافية، إنما تتحملها الدوائر الضريبية، أو حضوره شخصياً أو من يوكله إلى دائرة الضريبة لدفع المبلغ المستحق عليه".
 
إيجاد آليات جديدة
المستشار الاقتصادي والمصرفي سمير النصيري قال ان "ابرز المشكلات، التي تواجه جباية الضرائب القصور في النظام الضريبي في العراق المعمول به حاليا وقانون الضرائب النافذ وتعديلاته، والذي لم يعالج المتغيرات في النشاط الاقتصادي ما بعد ٢٠٠٣ والتوسع في الخارطة الضريبية والعلاقة مع المشمولين بالضريبة وايجاد آليات جديدة للوصول الى دافعي الضرائب".
 ونبه على "اهمية اتمتة العمل الضريبي بشكل شامل وليس جزئيا، كما هو الان ووضع نظام الكتروني خاص للجباية بالتنسيق مع المصارف يؤمن دقة الاحتساب وسهولة الجباية، من دون تدخل بشري، والغاء الاستثناءات والاعفاءات وبشكل خاص على ضريبة الدخل على الافراد والشركات، والاستفادة من عملية توطين رواتب الموظفين بالتنسيق مع البنك المركزي والمصارف".
 
مبيعات السلع والخدمات
 ولفت الى "ضرورة فرض الضريبة على القيمة المضافة بجبابة ضريبة من المستهلك لاتقل عن ٥ بالمئة ولا تزيد عن ٢٠ بالمئة على مبيعات السلع والخدمات، التي يقتنيها ويحصل عليها، كما معمول به في اغلب الدول، كذلك جباية الضريبة المباشرة على الاستيرادات، وهي الضريبة التي يجب أن تحقق ايرادات كبيرة تتجاوز بحدود ١٠ مليارات دولار سنويا في حالة تحقيق جبايتها بشكل دقيق ومباشر، وفقا للنظام الالكتروني المنشود بالتعاون مع البنك المركزي ( نافذة بيع العملة) والجمارك، حيث تقدر مجموع استيرادات القطاع الخاص بحدود ٦٠ مليار دولار سنويا،  وفرض ضريبة مباشرة على ضوء قوائم الاستيراد وكمياتها ومبالغ الحوالات والاعتمادات المستندية في نافذة بيع العملة في البنك المركزي مقدما كتأمينات لاتقل عن ١٠ بالمئة من قيمة الاستيرادات وتحول الى الهيئة العامة للضرائب ويتم بعد ذلك اجراء التسويات بعد وصول البضاعة وتأييد الجمارك  بين المستورد والضريبة في نهاية السنة، وبذلك فان هذا الاجراء سيمنع التهرب الضريبي". 
 
توحيد التعليمات الضريبية
واكد ان "الامر المهم والاساسي توحيد التعليمات الضريبية بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان والقضاء على الازدواج الضريبي، حيث يلاحظ ان الاقليم يعمل بشكل مستقل عن الحكومة الاتحادية في جباية الضرائب، طبقا لتعليمات خاصة بالاقليم ويتم الزام القطاع الخاص أفرادا وشركات ومصارف بدفع نسب ضريبية للاقليم، في حين ان اغلب هذه الشركات والمصارف تتحاسب ضريبيا، وفقا لميزانيتها السنوية في المركز حسب القانون النافذ مما يشكل حالة واضحة للازدواج الضريبي"
.
سياسة ضريبية معروفة
عبد الحسين المنذري قال: "لا بد من امتلاك قواعد بيانات للمكلفين ويجتهدون في تقدير المبالغ المستحقة وخاصة في موضوع شركات الهاتف النقال وليست لديهم سياسة ضريبية معروفة ويحتاجون الى مؤتمرات يحضرها خبراء من داخل وخارج العراق لتقديم أوراقهم البحثية المبنية على تجارب ناجحة، ولدينا خبراء اكاديميون في هذا المجال ومنهم احسان الياسري ومحمد الخرسان وكاظم الحسني المدير العام السابق للهيئة العامة للضرائب يمكن الاستئناس برأيهم". 
بدوره الخبير الاقتصادي د. عماد العاني، بين ان "ظاهرة التهرب الضريبي تمثل موردا ضائعا ذا وزن نسبي مهم، إضف الى ذلك انتشار هذه الظاهرة اقوى في الاقتصادات النامية من الاقتصادات المتطورة، وهو امر مرتبط بضعف جهاز الدولة الضريبي والعراق من تلك البلدان .
تنظيم الادارة الضريبيّة
وقال "لا بدّ من تحسين الادارة الضريبية، الذي من شأنه أن يسهم في توسيع الوعاء الضريبي لوجود علاقة قوية، بينهما باعادة النظر كليا بتنظيم الادارة الضريبية واساليب عملها وتقنياتها باتجاه التحديث، على أن يترافق ذلك مع توافر الارادة السياسية لاخضاع جميع شرائح المجتمع المشمولة بدفع الضرائب، من دون اقامة اعتبار للوزن السياسي او النفوذ او الثروة .
واضاف "هناك ضرورة لاستخدام نظام الحوافز للعاملين في الدائرة الضريبية، الذي قد يسهم في القضاء على الفساد او تخفيفه من ناحية واجتذاب الخبرات البشرية من ناحية اخرى، بالمقابل يجب ان تكون هناك اجراءات فاعلة للتعامل مع الفساد وتتبع الموظفين الفاسدين، ورفع كفاءة الموظفين بادارات التحصيل الضريبي وتحسين قدراتهم وامدادهم بالمعلومات الكافية والتدريب المطلوب لمزاولة اعمالهم .
 
الاعفاءات الضريبية
في السياق ذاته افادت الخبيرة الاقتصادية بأن "الاعفاءات الضريبية تولد حافزا للتهرب الضريبي، اذ تستطيع المشاريع الخاضعة للضرائب الدخول في علاقات اقتصادية مع المشاريع المعفاة لتحويل ارباحها من خلال التسعير القائم على التحويلات المتبادلة، كدفع سعر مبالغ فيه مقابل السلع المشتراة من الشركات الاخرى، ثم استرداده في صورة مدفوعات مستترة".
وتابعت "تشير التجارب الى ان الشركات اثبتت مهارتها في ايجاد وسائل للالتفاف حول القوانين الضريبية، مهما كان ذكاءها، وان اكثر نظم الادارة الضريبية تطورا تجد صعوبة بالغة في التعامل مع الشركات، التي تسيء استغلال هذه الاعفاءات الضريبية، وهنالك فرص لتحايل المستثمرين من خلال الالتفاف على فترة الاعفاء الضريبي المؤقت وتمديدها، وذلك من خلال تحويل المشروع الاستثماري القائم الى مشروع جديد كاغلاق المشروع واعادة تشغيله تحت اسم مختلف مع ثبات مالكيه".
 
عدم ثبات التشريعات
وبينت المهداوي "لمعالجة هذه المشكلات لا بد من وضع القوانين والتشريعات المنظمة للنشاط التجاري بمختلف انواعه وعند عدم ثبات التشريعات يرتبك الاداء ولايستطيع المستثمر تحديد خطواته ولا تقدير نتائج عمله، فما هو مباح قد يصبح محظورا غدا او قد يحدث العكس، وبالتالي عدم ضمان بيئة مناسبة للاعمال، وقد اثبتت التجارب للدول المتقدمة بما لايدع مجالا للشك بان الاسقرار التشريعي فيها اهم من عوامل ازدهارها".