مفارقة السياسات والإجراءات

اقتصادية 2020/11/27
...

د. باسم الابراهيمي
 

على الرغم من كل ما قيل من قبل الساسة والحكومات التنفيذية بعد العام 2003 عن تحول الاقتصاد العراقي الى اقتصاد السوق، إلا اننا لم نجد حتى هذا اليوم خطوات حقيقية يمكن ان تترجم هذا الكلام على أرض الواقع 
الاقتصادي.
فالكثير من السياسات على مستوى الوزارات لا تزال تدار بطريقة أقرب الى الادارة الاشتراكية، وربما البعض منها يشبه الادارة “الاقطاعية” من دون الالتفات الى اهمية التناغم مع التحولات التي شهدتها القوانين او الخطط التنموية او ما يتم العمل به في الوزارات الاخرى على اقل تقدير، ولذلك نجد النتائج على مستوى الاداء العام للحكومات يشوبه التناقض والضعف لأن بعضه لا يدعم البعض الآخر، ومن ثمّ تتشوه 
النتائج.
لقد كانت السياسات العامة في البلد خلال المرحلة الماضية كلها تشجع قطاع التجارة، من دون غيره على ارض الواقع، سواء بقصد او من دون قصد، فالجدران الجمركية رفعت والابواب شرعت لمنافسة غير متكافئة مع المنتج المحلي، ولذلك تجد الصناعة والزراعة همشتا ان لم نقل انتهتا، على الرغم من ان الدعوات على مستوى السياسات دائما ما تقول بأهمية القطاعات الأخيرة وتعلن رغبتها في دعمها خلافا للواقع، الذي بقي منحازا للتجارة، المفارقة تكون اكبر عندما يوجه النقد اللاذع للقطاع المصرفي (الذي يشبه المرآة التي تعكس صورة الواقع)، لأنه يعتمد في عمله بشكل أكبر على تمويل التجارة، بدلا من تمويل الصناعة او الزراعة، وهذا ما يثير الاستغراب فعلا!
لماذا تقوم المصارف (لاسيما الخاصة) بتمويل الصناعة او الزراعة؟ في وقت تعلم فيه ان معوقات هذه القطاعات ليست مالية بالدرجة الاولى، وان منتجاتها غير قادرة على المنافسة مع السلع المستوردة لعدم توفر الاجراءات التي تجعل منها قطاعات رابحة، المصارف بالنتيجة شركات تبحث عن الربح، اما اذا اردنا ان ندعم قطاعا معينا بعيدا عن معطيات السوق، علينا اما ان نوفر له متطلبات التنافس او ندعمه من خلال الموازنة العامة، اما اذا تركنا الامر للسوق، فعلينا ان نؤمن بنتائجه التي تقررها قوى العرض والطلب، لقد آن الأوان للعمل بجد من أجل تحديد مكامن القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي والعمل على تعزيزها، بسياسات واجراءات تنظيمية قادرة على الوصول الى النتائج التي نطمح لها على المدى البعيد.