(المركّب الوطني) لإقامة الدولة المدنية المعاصرة

آراء 2020/11/28
...

  عبد الحليم الرهيمي
 
 
بعد أن وصل مسار البدء بالتأسيس الثاني للدوله العراقية، الذي بوشر به بعد التحرير والتغيير بدءاً من 9 نيسان 2003 واسقاط النظام الدكتاتوري السابق والاطاحة في الوقت نفسه بدولة التأسيس الاول ومؤسساتها، التي بوشر باقامتها بدءاً من العام 1921، يطرح منذ مدة كتاب ونخب سياسية وفكرية مدنية من مختلف الشرائح والتيارات السياسية والاجتماعية ضرورة السعي، والعمل من اجل التأسيس الثالث للدولة العراقية، بعد ان وصل التأسيس الثاني (2003) الى حالة من الفشل والعجز والفوضى وصعوبة الاستمرار، والتعايش بين الدولة الرسمية واللا دولة الموازية لها، التي تعرقل وتعيق عملها ومهماتها، وقد تجلى هذا التوجه بعدد من الكتابات والمواقف والأفكار، التي جرى التعبير عنها بمختلف وسائل الإعلام تطلعاً، لبلورة تيار او اتجاه سياسي فكري بديل او نقيض للدولة المتراجعة، امام اللا دولة، هدفها الرئيس إقامة وتأسيس دولة مدنية عادلة ومتقدمة ومزدهرة، توفر الرخاء والحياة الكريمة لشعبها، وهو الامر، الذي يمكن وصفه بالتأسيس الثالث للدولة العراقية بعد التأسيسين الاول العام 1921 والثاني العام
 2003.
غير أن هذا التيار الذي بدأ يتبلور، بعيداً عن أخطاء وتجارب الماضي، وبعيداً عن الأفكار العدمية والطفولية غير الناضجة، وبعيداً كذلك عن بدعة ( الازاحة الجيلية) المدمرة والمقسمة للمجتمع، يواجه هذا التيار الذي يتطلع لإقامة الدولة المدنية العادلة، لمحاولة بعض الكتاب احتواء هذا التوجه وصرف الأنظار عنه، بطرح مفاهيم غامضة ومبهمة وغيبية، بذريعة أحداث التغيير وتجاوز الواقع الراهن، وفق مقاسات ومركبات مغرقة في بديهيتها وسطحيتها، باعادة هذا التغيير الى مركبات الإنسان والأرض والشعب، مما لا يحمل اي مضامين فكرية اوسياسية تسهم حقاً في التمهيد لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية العادلة البديلة لحالة اللا دولة، الطاغية على وجود وهيبة الدولة الرسمية، لا شك ان الإصرار على فكرة التغيير على اساس مركبات وهمية وتبسيطية يقترب من السذاجة، ولن يؤثر في نمو واتساع التيار المدني الاصلاحي وان كان يسهم بقدر ما في التشويش عليه، لاسيما ان هذا التيار المدني يستند إلى المركب الوطني، الذي تجسده ركائز وطنية واضحة المعالم والأهداف والدلالات، بعيداً عن الغموض والسرديات والافكار، التي لم تعد صالحة التداول، اما عناصر أوركائز المركب الوطني فتتجلى في: إقامة المؤسسات الديمقراطية الحقيقية وتقويتها وحمايتها من اي تجويف اوتزوير، وكذلك توفر الأهلية والكفاءة والإخلاص لمن يتصدى لمسؤولية اي موقع في الدولة، إضافة إلى ركيزة التمتع بالنزاهة الشخصية والسعي لتشريع القوانين، التي تحد ثم تقضي نهائياً على الفساد والمفسدين، وملاحقة فاسدي المرحلة الماضية ماقبل ومابعد عام 2003 ومساءلتهم، ثم ركيزة السعي الجاد والحقيقي لبناء الدولة ومؤسساتها وتوظيف وجود السلطة، لهدف بناء الدولة بعيداً عن المصالح الطائفية والمذهبية والقومية والمناطقية، التي توفر الدولة المدنية الديمقراطية العادلة كل حقوق ومطالب المنتمين اليها من دون تمييز.
تلك الركائز والأسس الواضحة المعالم والمعاني، هي التي تمثل المركب الوطني وهو المركب الحقيقي لبناء الدولة المدنية العادلة من خلال تأسيسها الثالث، بعد أن اطيح بالتأسيس الاول العام 2003، بينما استنفذ التأسيس الثاني للدولة، الذي بدأ من ذلك التاريخ شروط ومقومات استمراره، لأسباب كثيرة ياتي في مقدمتها ابتلاعه من قبل اللا دولة، وحالة الفشل والعجز والفساد المستشري بكل مفاصل الدولة والمجتمع بشكل 
مروع.