نحن واقتصاد السوق

آراء 2020/11/28
...

 عباس الصباغ
 الورقة البيضاء رغم الجدل البيزنطيني، الذي دار حولها، الا انها ممكن ان نعدّها (من باب التفاؤل الحذر) خارطة طريق لإصلاح اختلالات الاقتصاد العراقي ونافذة للدخول المفترض الى اقتصاد السوق، الذي غاب عن المشهد الاقتصادي العراقي طيلة عمر الدولة العراقية الحديثة، كما غاب عن عقلية مهندسي الاقتصاد العراقي، بدءا من المرحوم ساسون حزقيل والى الآن، فلم تحظ فكرة اقتصاد السوق بأي اهتمام، فالجميع ارتهنوا الى ضرورة استمرار الاقتصاد العراقي على ماهو عليه بصيغته الريعية، ما دام النفط موفورا وبكميات تجعل العراق يتربع على قائمة الدول في احتياطي النفط والدول المنتجة والمصدرة له، ولا شيء سوى النفط، الذي يمدّ الموازنات المالية العامة بحصة الاسد من الايرادات، التي كانت تغطي الميزانيات التشغيلية والاستثمارية بشكل شبه تقريبي، في حين يكون العجز المالي مسيطرا عليه بهامش مالي معقول واستمر الامر على هذا المنوال عقودا طويلة من الزمن، ولكن لحدوث مستجدات مالية، لم تكن بالحسبان كتذبذب اسعار النفط هبوطا، وهي مسألة طبيعية في سوق النفط وكان يفترض بأصحاب القرار الاقتصادي، ان يحسبوا لها ألف حساب، وناهيك عن ازدياد النفقات العامة المرافقة لزيادة السكان والخدمات المقدمة لهم، وثالثا الترهل المليوني في الجهاز الوظيفي للدولة العراقية، الذي يستهلك القسم الاكبر من الميزانية التشيغلية، فاستمرت الدولة العراقية على هذا المنوال، فهي تحتكر الثروات ووسائل الانتاج الصناعي والزراعي وهي توزع عوائدها حسب مزاجها الاقتصادي التائه بين الرأسمالية والاشتراكية، وزادت الانظمة الديكتاتورية المتعاقبة الطين بلة، من خلال احتكارها لكل شيء في السياسة والاقتصاد والحريات العامة، فكان هذا الاحتكار سببا لعدم دخول العراق الى اقتصاد السوق، الذي لو تم الدخول اليه لما وصلت الحال اليه الآن.
وفي نهاية المطاف وبعد نحو قرن من تأسيس الدولة العراقية الحديثة، لم يكن هنالك محيص من رسم خارطة طريق لمعالجة الاختلالات المزمنة للاقتصاد العراقي الريعي، ولمنع تكرار العجز الترليوني وتأخر رواتب الموظفين لما له من اثر سلبي على معيشة الناس ووضع السوق المحلي ، فلا بد اذن من الدخول التدريجي الى اقتصاد السوق والتحرر المبرمج من سطوة الدولة على الاقتصاد وفسح المجال للقطاع الخاص، ليلعب الدور الفعال في قيادة الانشطة الاقتصادية منفردا او بالمشاركة مع القطاع العام، فضلا عن تعظيم الموارد الاخرى غير النفط لتكون رديفا معه وفتح الباب امام الاستثمار ودعمه، وهو مامطلوب في المرحلة الحالية.