العراق والأنموذج السنغافوري

آراء 2020/11/28
...

 د. صادق كاظم 
 
 
لسنغافورة حكاية مثيرة للاعجاب عن دولة عانت في بداية استقلالها بشدة، من فقر الموارد ونضوبها وعدم وجود بنى تحتية خدمية حقيقية، اضافة الى تفشي الفقر والعوز في اروقة مدنها، لكن كل ذلك اختفى وتغير بسرعة مدهشة، حين قاد الزعيم (لي كوان لي ) بلاده نحو التغيير بسرعة مدهشة، حين تمكن كخطوة اولى من محاربة الجريمة المنظمة والفساد، حيث اطاح بكبار المافيات وحيتان الفساد الضخمة، التي كانت تقف عقبة بوجه اية خطط لتطوير الاقتصاد، الذي كان يعتمد عليه بشكل رئيس على جذب الاستثمارات ورؤوس الاموال لكبرى الشركات العالمية، للعمل من داخل سنغافورة وتشجيعها من خلال توفير الامان والاستقرار لتلك الشركات، التي اتخذت من سنغافورة مقرا وممرا لنشاطها التجاري، الذي انعكس لاحقا على الاقتصاد السنغافوري، الذي اخذ بالنمو وبشكل متصاعد، حيث اختفت البطالة بشكل نهائي وارتفع معدل الاحتياطي النقدي ليصل اليوم الى 500 مليار دولار وهو معدل مرتفع جدا قياسا بعدد السكان .
اهتم الزعيم السنغافوري بالتعليم وبشكل مميز، حيث خصصت نسبة كبيرة من الموازنة العامة لبناء المدارس الحديثة وبشكل يفوق حتى العدد الحقيقي للطلبة، ومنح المعلمين في المدارس رواتب ومكافآت جعلت منهم الطبقة الاكثر اجورا في البلاد، ووضعت قوانين صارمة لفرض النظام والامن والقانون ومنع حصول اية تجاوزات تمس امن الدولة وسيادتها، فضلا عن تهديد السلم الاجتماعي الداخلي، كل هذه الانجازات تحققت في غضون 30 عاما فقط، حيث بنى الزعيم لي كوان لي دولة مقتدرة اقتصاديا بموارد بسيطة، لكن العامل الاهم فيها الامن والاستثمار، اضافة الى الانسان المتحضر الحريص على نجاح بلاده وتقدمها.
العراق يعاني من ازمات عديدة ومتراكمة تعيق عملية نهوضه والى مراجعة حقيقية لاوضاعه الاقتصادية في ظل ازمات تواجهها البلاد من دون حل، الفساد العميق واضطراب الامن من العوائق الخطيرة، التي تحول دون نهوض البلاد وحل هذا الملف من اولويات اي حركة نهضوية، ترغب بتغيير اوضاع البلاد نحو الافضل وازالة تراكمات ما زالت البلاد عالقة بسببها وتمنع من تطورها، خصوصا ان ازمة جائحة كورونا ادت الى انكشاف الاقتصاد العراقي ومعاناته، بعد هبوط اسعار النفط وتراجع المداخيل مع وجود ثروات بشرية ومالية ضخمة، من الممكن أن تؤسس لنجاح عراقي واضح وبارز يعيده الى مصاف الدول المتقدمة، السنغافوريون تداركوا أوضاعهم واوجدوا حلولا لأزماتهم، من خلال التخلص من الفساد والجريمة المنظمة وجذب الاستثمارات الواسعة والضخمة، اضافة الى القاعدة الصناعية والتجارية المتقدمة والعراق من الممكن ان يستلهم التجربة، لكنه لا يزال بانتظار الخطوة الاولى.