أبناء سومر في النرويج.. قسوة الحياة بطعم الحريَّة

منصة 2020/11/29
...

 أوسلو: سندس الساعدي
 
 
هجرة العراقيين لمملكة النرويج تعدُّ من الهجرات الحديثة، فحتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي لم تتجاوز أعدادهم المئة، كانت الهجرة الواسعة بعد أحداث حرب الخليج الثانية وانتفاضة عام ١٩٩١. والنروج كغيرها من البلدان الأوروبيَّة استقبلت المهاجرين العراقيين من معسكرات الاحتجاز في المملكة السعودية، وتلتها الموجة الثانية بعد الغزو الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣.
العراقيون من الجاليات التي عانت من صعوبة الاندماج في المجتمع النرويجي واحتاجت لعقودٍ حتى هيأت الأجيال المتلاحقة لتجد مكاناً لها في المجتمع. فنقاط الالتقاء بين المجتمعين تكاد تكون معدومة فالاختلاف تاريخي وجغرافي وديني وعرقي.
النرويج بلد تغادره الشمس وتغطي أرضه الثلوج لشهور طويلة في السنة، شتاءٌ نهاره قصير وليله طويل، فالمواطن النرويجي يخرج للعمل أو للدراسة قبل أنْ تشرق الشمس ويعود بعد الغروب، فساعات النهار لا تتجاوز الست ساعات شتاءً، وطبيعته الباردة انعكست على سكانه فهو شعب يميل للوحدة والعزلة ويعيش حياة منظمة، ونسميها كشرقيين حياة رتيبة تخضع للروتين القاتل.
بينما يتفاعل النرويجي مع بيئته التي ينتمي إليها فهو يحب الشتاء ولياليه الباردة يقضيها أمام موقد الخشب وكوب القهوة وتلألؤ الثلوج البيضاء من خلف زجاج المنازل، ويستمتع بأسابيع عديدة وهو يجهز هدايا أعياد الميلاد ويوقد الشموع، وكل بيت يحضر شجرة ميلاد احتفاءً بهذه المناسبة، ويهتم بالزينة ويتنزه في الغابات الثلجيَّة، ليقضي أيامه الشتوية بتفاصيلها ويتمتع بطبيعتها.
وعندما يقترب الربيع يستمتع بزرع الورود والاهتمام بها في داخل منزله وخارجه، ويتجهز لاحتفالات أعياد الفصح وطقوسه، وينتظر الصيف ليقضي أسابيع تحت أشعة الشمس، وعلى رمال الشواطئ الى أنْ يتغير لون بشرته معوضاً أيام الشتاء الطويلة.
هكذا هو فكل شيء له وقت وجدول ومواعيد محددة، للعمل ساعاته وللأسرة وقتها وللرياضة وقت وللنزهة وقت أيضاً.
فالعراقي الذي ولد في بلاده الدافئة وترعرع على أرضها واكتسب منها الطيبة والعصبية والمحبة والألفة والعيش وسط الجماعة وحمل هموم الداني والقاصي، والتفكير وتحمل المسؤولية، كيف له أنْ يتأقلم مع هذه البلاد الاسكندنافية.. كيف لأبناء سومر أنْ يتعايشوا مع أبناء الفايكينغ؟.
وللوقوف أكثر على تجارب العراقيين في النرويج التقينا عدداً من المهاجرين من أصول عراقية. حدثتنا إحدى الأمهات العراقيات (أم سارة ٤٠عاماً) قائلة: «بالرغم من أنني قضيت خمساً وعشرين سنة في النرويج إلا أنني لم أستطع التأقلم حتى الآن وأحنُّ الى الوطن وجمعة الأهل والأحبة».
وأضافت: «أصب كامل جهودي لتربية أولادي وأنْ أزرع فيهم القيم الدينيَّة والأخلاقيَّة، وأعرافنا»، ولفتت «أكره الشتاء فبرودته قاسية والثلوج تشعرني بالاكتئاب، أما اختلاف التربية والثقافات بين المجتمعين، فإنها تضع الأهل في حالة حرجة وصعبة أمام الأبناء في أسس التربية بين العادات والتقاليد التي تربوا عليها من جانب والقيم المفروضة في المجتمعات الغربية من جانب آخر..».
وأشارت «وما يحدث من بعض مؤسسات الدولة في التدخل بحجة الحماية وحفظ حقوق الأطفال.. فأحياناً هم على حق ولكن في أحيانٍ كثيرة يكون التدخل متعسفاً، ويؤدي إلى التفكك الأسري، وتمرد الأطفال، أو أخذهم قسراً الى أُسرٍ أُخرى بحجة تربيتهم بعيداً عن قسوة الآباء أو الأمهات، وهذا يقلق كثيراً الأسر العراقيَّة والشرقيَّة هنا في هذه البلاد».
ثم تحدثت أم نبأ ( ٤٧ عاما )عن تجربتها فتقول: إنها «عاشت هنا قرابة العشرين سنةً وتستذكر كيف كانت تستعين بالمترجمين لتسيير أمورها فشعرت بضرورة تعلم اللغة حتى تستطيع العيش في هذا المجتمع الجديد، وكما هو معلوم فإنَّ اللغة النرويجية لغة غريبة تماماً ويجب تعلمها من الصفر، هذا جانب تجاوزناه كما تقول، أما الذي ما زلنا نعاني منه هو فصل الشتاء وكثرة ثلوجه والصقيع خصوصاً حين تتشكل طبقة جليدية على الثلج فيصعب المشي وكأننا في ساحة للتزلج، لا ندري متى نقع؟ وكيف سنقطع الطريق ذهاباً وإياباً، وهذا يدفعك لتجنب الخروج من باب المنزل، فضلاً عن الاختلاف الكبير بين ساعات الليل والنهار في الصيف والشتاء ما يؤثر في الساعة البايولوجية ويسبب حالات من الكآبة، كما أنَّ المجتمع النرويجي مجتمع مغلق نوعاً ما ولا يحبون الاختلاط».
وأكدت «أنا أم لطفلتين من ذوي الاحتياجات الخاصة ولديهن أصدقاء وهذا يفرض عليّ الاندماج مع أهاليهم في مختلف النشاطات كأعياد الميلاد والفصح ورأس السنة فيتوجب علينا الحضور في اجتماعات دورية لمناقشة مشكلات أبنائنا فأضطر للتعامل مع الكل فبعضهم من المثليين ويستوجب عليّ احترامهم وتقبلهم... وعلى العموم لا أشعر بوجود مشكلة كبيرة في التأقلم والاندماج مع كل المحيطين بي فهم يحترموني ويحبونني لأني بالمقابل أبادلهم الامر ذاته فكما توجد سلبيات هنالك إيجابيات كثيرة».
حدثتنا ايضا زينب (٣٢ عاما) عن حياتها في النرويج ووصفتها بـ»البلد الجميل والهادئ والمنظم وعلى اعتبار النظام والقانون هما الأساس، فمن الأساسيات المهمة هو تعلم القوانين كي تضمن حقوقك، وتؤدي واجباتك من دون مشكلات، البلد يدعم النساء والفئات الضعيفة والتعامل بإنسانية، فكل من يحتاج الرعاية يجدها؛ المريض والعاجز والطفل وحتى الحيوان كل شيء هنا جيد وجميل، ولا يكدر ذلك إلا افتقادنا لأهلنا والعلاقات والروابط الأسرية القوية وبعض المشكلات جراء عنصرية البعض، أو الذين لا يروق لهم الأجنبي».