حسب الشيخ جعفر ومقترحات الكتابة

ثقافة 2020/11/29
...

  د. علي متعب جاسم
 
 
اللغة السردية مفهوم يتشكل بمعزل عن اللغة النثرية ولها خصائصها ومقوماتها وطبيعتها، وهي فضلا عن ذاك لغة أدبية تتداخل مع لغة الشعر لكنها تنشأ داخلها وليس بمعزل عنها؛ ولهذا فهي ليست «نثرية» لأن النثر ليس مقابلا للشعر وليس قسيمه، إنما السرد والشعر قسيمان أساسيان للأدب واللغة إذ ذاك لغة أدب أو لغة نثر.  
بناءً على افتراضنا رأينا أن اللغة الشعرية كيان مستقل عن لغة السرد، وبذا تتحصل دراستها، والانتباهة في ذلك أن “اللغة الشعرية» يمكن أن تتشكل من مستويات انزياح وستكون اللغة السردية واحدة من تلك الانزياحات لكنها تبقى بالمجمل “لغة شعرية». وتتعلق بهذا الأمر انتباهة أخرى هي ما يخص “اللغة النثرية» التي تكوّنها سياقات وتراكيب وإحالات تبلغ في أكثر الاحيان درجة المباشرة التعبيرية، لكنها تكتسب شعريتها من انضوائها 
مكونا من مكونات الشعرية وقيمتها كما يشير بيير جيرو في “لا تعبيريتها أو في قيمتها التي تبلغ درجة الصفر»، والأمر مقابل اللغة السردية التي تشكل “اللغة الشعرية واحدة من “انزياحاتها” شريطة ألا يتم النظر الى هذه الانزياحات بمعزل عن “البنية الكلية للغة” وإلّا تحولت اللغة إلى لغة إشارة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن اللغة السردية ذات طابع انفعالي مخيل نظرا لارتباطها بالبنية 
الكلية للنص؛ ولهذا فهي تجسد “مواقف وانفعالات” تعقب الألفاظ على حد تعبير ريتشاردز». 
 أفضى بنا التقصي إلى تشخيص مجموعة من الركائز المكونة للغة السردية وهي مجموعة غير نهائية بالطبع، وسنعتمد في هذه المقالة إحداها وهي “التفصيلية”  لرصد واحدة من ظهوراتها. 
قد يبدو مصطلح “التفصيلية” مصطلحا غير مستقر في الدرس النقدي، غير أننا اعتمدنا على استعماله بناءً على افتراض أن بعض الضوابط التركيبية في صياغة اللغة تنوجد وتنمو في ظل بنى سردية وأخرى في ظل بنى شعرية وهو ما يعني أن مسألتي “التكثيف الشعري يضاد التفصيل السردي” ومعاينة الأخير “نصّيا” يظهر لنا أن هذه البنية ترتبط عضويا بنمط القصيدة وطبيعة أدائها الفني، ومن هنا سنحاول التدقيق بها وكشف خطوطها. 
 
 التفصيلية والبناء 
الأحادي للقصيدة  
نستنتج بدءاً أن اللغة التفصيلية بصفتها نمطا من انماط لغة السرد، تتداخل في اللغة الشعرية وتصبح جزءا منها؛ ولذا فان طبيعتها وقوانينها لا تكشف إلا من خلال البناء الكلي للغة، وهو ما يحيلنا إلى ضرورة التفريق بين ما نتبناه وبين “اللغة اليومية” التي توظف وتظهر فيما يطلق عليه بـ “قصيدة التفاصيل اليومية”. 
اللغة في هذه القصائد لغة لا تعتني بنمط التركيب أكثر من عنايتها بنقل ثقافة شعبية، يومية، وتعكس صورة الحياة اليومية، والأمر في “التفصيلية” مختلف من وجهة نظر أخرى إذ أن المسألة هنا تتعلق كما أسلفنا “بطبيعة التركيب”. 
وهذا يقودنا إلى تشخيص الملمح الدال في نصوص بعض الشعراء وأهمهم “حسب الشيخ جعفر” وأعني به “حكاية القصيدة”، ولا يخفى على القارئ أني لا أشير إلى  الحكايات الشعرية التي تميز بها الكثير من الشعراء، وإنما إلى نمط من البناء تمثل الحكاية فيه بنية إطارية لازمة تتشكل داخلها القصيدة 
وفي ظننا أن هذا أسلوب قائم بذاته ويختلف – من حيث التكنيك على الأقل – عن قصيدة الحكاية مع ملاحظة تعدد سمات أبنيتها وأنماطها، قصيرة أو طويلة، تحفل بالغنائية أو تستثمر الدراما في بعض وجوهها، ناهيك عن طبيعة الحكاية والإخراج الفني العام الذي يستثمر “البناء النثري” لاسيما في المقدمات، وعلى أقل تقدير فإننا نقيم افتراضنا عن “البنية الإطارية للقصيدة” من واقع نصي لغوي يمثل كما يشير الصكر بعدها اللساني “ويؤكد شفاهيتها” و “استرسالها 
البدائي القائم على التوضيح والتفصيل والشرح”.
وبالعودة إلى اقتراحنا الملمح الدال في “حكاية القصيدة” ونعني به “التفصيلية” فإن الإجراء التحليلي يرتكز على مجموعة محاور تتفحص البنى التركيبة، كما أنها ليست نهائية بالطبع، ويمكن تحديدها بالآتي: 
1 -  القطع اللغوي والامتداد الايقاعي.
2 -  الجمل القصيرة المتراكبة مع بعضها. 
3 -  الانتقالات السردية من وإلى الحدث الخارجي والتفكير الباطني فيه. 
4 -  الجمل التفسيرية بين الاقواس. 
5 -  الاعتماد على الرؤية الإبصارية أكثر من الاستدعاءات الذهنية.  
هذه المرتكزات يمكن أن نعدها آليات لتحليل إحدى ركائز اللغة السردية التي تمثل مظهرا بارزا من شعرية حسب الشيخ جعفر.