عنف تعددت أشكاله

آراء 2020/11/29
...

  عماد جاسم
 
 
إنها الأيام التي نحمل بها شعار التضامن مع حملة مناهضة العنف ضد النساء، والتي تمتد لستة عشر يوما، إذ يحتفل فيها كل العالم عبر ندوات وبيانات وأنشطة ثقافية، تعبيرا عن حالة الرفض الجماعية المتحضرة لكل أنواع التمييز الجندري، ولكل أساليب العنف الموجه ضد النساء . 
ولا بد لنا قبل كل شيء وقبل التبجح بتحضرنا وتفتحنا ونضوجنا المعرفي، أن نجلس على كرسي الاعتراف ونواجه ذواتنا أمام مرآة الضمير، هل خرجنا فعلا من قافلة المنتهكين لحقوقها، هل استثمرنا قراءتنا وثقافتنا في تجسيد فكرة التحضر والمدنية الحقيقية، ام اكتفينا بتكرار نشيد الإدانة في محافلنا ومهرجاناتنا، هل تحررنا من سطوة المفاهيم السائدة او حتى من كومة المفردات والأمثال والبديهات اللغوية او التراثية او ذلك الإرث من التعابير الجاهزة، التي تحط او تسخر من خصوصية او تفرد العطاء النسوي ثقافيا وإنسانيا؟!. 
اسئلة قد تبدو ساذجة ومكررة، لكنها ضرورية بل هي أساس الانطلاق لفهم جذورنا البدوية ونرجسيتنا العالية، وبالتالي ازدواجية معاييرنا. نحن الذين نملأ أدراج ورفوف مكتبات بيوتنا بأروع واهم المؤلفات، عن القيم الإنسانية النبيلة والشعور المبدئي بالمسؤولية وبأهمية المشاركة وقيم التمدن، لكن إدراك معنى المساواة والمشاركة المجتمعية، يتطلب فعلا يوميا متحضرا يتجاوز ثقافة التنظيرات المجانية، وينبع من طبيعة الإيمان بقضية حرية المرأة ومسؤوليتنا المجتمعية تجاه بلورة خطاب له دلالات الرفعة وتقدير مخاضات المحاربة او المواجهة، التي تعيشها النساء في ظل اغلاله القدسية المنسوبة للنصوص المتوارثة او القدسية الذكورية المتربعة على الذهن الجمعي، وبالتالي أجد من الانصاف أن يكون هناك سعي للمثقف لبلورة موقف أخلاقي مبدئي جاد وعضوي، في التأسيس لفكرة فرض بيئة مثالية لانتشار تلك القيم بروح عالية من نكران الذات.
من خلال التطهير الذاتي او الجمعي لما اقترفناه من ذنوب على مسارات العمر الطويلة، حيث يستمر مسلسل فرض ذكوريتنا، اذ لا أنسى وصايتي الساذجة على تصرفات أخواتي البريئة بحجة معرفتي وحرصي على إتباع التقاليد والأعراف بمنعهن من الخروج من البيت، بينما امنح لنفسي مثلما يمنحني المجتمع فرص التباهي بذكورتي عبر علاقات حب مجانية ومشاكسات معيبة، وقد لا ينتهي المطاف بحماقتنا مع شريكات حياتنا في حرصنا على مزاولة نفس الدور التمثيلي اليومي المعروف، والمتمثل بالتذكير إننا سادة البيت وان صراخنا وغضبنا المفتعل تجسيد لرجولتنا، وان غيابنا عن المنزل واستسلامهن برضوخ بين جدران هذا المنزل، هو الواقع الذي لا بد أن ترتضيه تلك الزوجة المسكينة.
ويبدو ان هذا السيناريو مرسوم بإرادة مجتمع محكوم بعقلية البداوة، التي تحكم سيطرتها على معاشرتنا لأخواتنا وأمهاتنا وزوجاتنا وتبتكر أساليب تجددها، بل وتتوارثها الأجيال لتكون محط فخر وتباه.
ترى وبعد هذا الاعتراف كيف لنا ان نختار كلمات الاعتذار لنصفنا الذي شاركنا همومنا وخيباتنا وحماقاتنا، ونحن نقابله بالتجني وتجاهل روعة تضحيته وإنسانيته؟
اعتقد ان أجمل اعتذار هو البدء بتغيير الصورة النمطية بتعاملاتنا اليومية، تجاه نسائنا ومواجهة تلك النظرة المجتمعية الساذجة والقاصرة بتنمية وتطوير قابليات المقاومة، لكل أساليب التمييز التي تعمق حالة التراجع المجتمعي وتعود به إلى حياة الرجعية 
والاستبداد.