رأي في مسودة قانون جرائم المعلوماتية

آراء 2020/11/29
...

 زهير كاظم عبود 
أمام دخول التكنولوجيا الحديثة والانترنت وانظمة الاتصالات الاخرى في الفترة الحديثة، صار لزاما ان يكون هناك قانون ينظم عملها ويجرم الانتهاكات التي يرتكبها الافراد، وكان ايضا لابد من عقوبات رادعة مناسبة جراء ارتكاب الجرائم، التي ترتكب خلال الاستعمال، وبالنظر لانتشار العمل في الحاسوب واعتماد البرمجة والبيانات المعلوماتية في أعمال الافراد والمؤسسات التجارية والحكومية، كان لا بد من حماية ليس للشبكة فقط، بل لحقوق الافراد من الانتهاك والاعتداء على تلك الحقوق ووضع النصوص القانونية، التي تردع وتمنع اساءة الاستعمال من قبل الافراد او الشركات. 
دستورية القانون
ومن الجدير بالذكر ان العمل والدخول الى شبكات المعلومات المترابطة مع بعضها البعض الاخر هي شبكات عالمية لخدمة المعلومات الانترنيتية تشترك فيها العديد من الدول باعتماد الوسائل الالكترونية، كما ان هناك مواقع وصفحات تعمل وتبث خارج العراق، لا بد ان تكون ضمن الاختصاص الاقليمي او العيني او الشخصي او الاختصاص الشامل، الذي نص عليه قانون العقوبات بشكل واضح وصريح، وهذا الاشتراك يجعل من الجرائم المرتكبة من الجرائم الواقعة ضمن الاختصاص الشامل، التي اشار اليها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 
1969 المعدل. 
وانطلاقا من ضمان حرية الانسان في الفكر والضمير والعقيدة والرأي، وحرية الاتصالات المكفولة في الدستور، كان لا بد من وجود انسجام بين مشروع القانون وبين نصوص الدستور، حيث ان اي تقييد او تحديد لممارسة الافراد اي من الحقوق والحريات الواردة في الدستور الا بناء على قانون، وألا يمس التحديد والتقييد جوهر الحق او الحرية، إضافة الى كفالة الدولة لحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وضمان حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر وبما لا يخل بالنظام العام والآداب. 
عرض مشروع قانون جرائم المعلوماتية قبل فترة، ونوقش من قبل المختصين والمعاهد المختصة، وتضمن القانون (31) مادة، بدأ القانون بالمادة الأولى بتعريف بعض المصطلحات والتعابير، التي ترد في القانون، غير أن المشروع اخفق في ادراج نص المادة الثانية التي تتحدث عن اهداف القانون، اذ إن محلها في الأسباب 
الموجبة. 
مؤاخذات على القانون
وما يؤاخذ على القانون أنه أورد مادة التعاريف ولم يرد نص آخر يتحدث عن الحقوق، انما تضمنت جميع المواد من 3- 30 العقوبات التي تعاقب مرتكب جرائم المعلوماتية، وجنح المشروع الى فرض عقوبتين على من يرتكب احدى الجرائم، بفرض عقوبة السجن المؤبد إضافة الى الغرامة بمبالغ لا تقل عن 25 مليون دينار ولاتزيد على 50 مليون دينار، أي أن العقوبة مضاعفة بين السجن والغرامة. 
كما وضع نصوصا كان قد وضعها قانون العقوبات العراقي النافذ منها على سبيل المثال لا الحصر، معاقبة من يرتكب عمدا فعلا بقصد المساس باستقلال البلاد او وحدتها او سلامة اراضيها وكان الفعل من شأنه ان يؤدي الى ذلك بعقوبة الاعدام. 
هذا التداخل بين قانونين يربك العمل القضائي والمواطن في آن واحد خلال عملية التطبيقات القانونية، إضافة الى ان تفريع القوانين وجعل قانون لكل جريمة يربك الأداء والتطبيق السليم للعدالة، وكان الأكثر قبولا ان يتم تعديل نصوص قانون العقوبات لتضمينه تلك الافعال المخالفة والموجبة العقوبة.  ومن الطريف أن يعاقب القانون بائع الاجهزة الالكترونية ومستوردها او موزعها، اذا ارتكبت احدى الجرائم المنصوص عليها بموجبها المادة ( 23 )، وتلك مفارقة في تحميل وزر ارتكاب جريمة لشخص آخر لا علاقة له بالفعل المخالف للقانون. 
 
الابهام وعدم الوضوح
كما تضمن مشروع القانون على عبارات غير دقيقة ومبهمة منها على سبيل المثال عبارة ( التعامل مع جهة معادية )، ولم نتعرف على صفة الجهة المعادية، ومعايير اعتبار الجهة معادية ام لا؟، كما لم نتعرف ايضا على مصطلح اثارة النعرات الطائفية او تكدير الامن العام او الاساءة الى سمعة البلاد، كما تداخلت بعض النصوص مع نصوص قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005، ولم نجد التبرير المقنع لاعتماد المشروع على عقوبتين مزدوجتين، هما الحبس او السجن والغرامة معا، كما ان المشروع خلط بين جريمة التزوير وبين استعمال المحرر المزور، في حين ان قانون العقوبات وضع كل جريمة على حدة من خلال عقوبة مختلفة لكل منهما. 
وفي الوقت الذي يعاقب قانون العقوبات في المادة 432 كل من هدد اخر بالقول او الفعل او الاشارة كتابة او شفاها او بواسطة شخص اخر بالحبس، فإن المشروع يفرض الغرامة التي لا تقل عن 3 ملايين دينار ولا تزيد على 5 ملايين دينار، كما ان جميع النصوص المدرجة في المشروع لها ما يقابلها من نصوص عقابية في متن قانون العقوبات النافذ. إنَّ المشروع يوقف العمل بالاختصاص المكاني التي نص عليها قانون العقوبات، وهو من النظام العام، فنص المشروع على ان تكون محكمة جنح او محكمة جنايات الرصافة في بغداد مختصة بالنظر في مثل هذه الجرائم لمدة ( 3 ) سنوات، بمعنى ان المتهم في الموصل والبصرة سيحاكم في جنايات الرصافة، رغم عدم اختصاصها المكاني، بل وبالرغم من وجود محكمة جنايات في الموصل والبصرة على سبيل المثال، كما ان هناك محكمة تختص بقضايا الاعلام والنشر في بغداد يبدو ان المشروع تجاوزها وتعدى اختصاصها. 
واذا كان لا بد من تشريع ينظم تلك الحالات لا بد ايضا من الانضمام الى الاتفاقيات الدولية، التي تتفق عليها دول العالم، حتى يمكن ان يكون هناك انسجام في العمل، كما ينبغي قبل كل هذا ان تكون هناك حملة تثقيف واسع للتعريف بمفاهيم الانترنت وثقافة المعلومات والقضايا التي ينبغي على الافراد تفاديها او ارتكابها. 
ولم نلمس النية لتشريع قوانين ذات صلة واهمية تسبق اهمية صدور مثل هذا القانون، منها قانون العقود الالكترونية وقانون التوقيع الالكتروني وما يسهل عملية تطبيق قانون جرائم المعلوماتية. 
 
الضمانة الدستورية للحريات
كما ان اعتماد المشروع على هذه العقوبات لا يشكل فهما ينسجم مع مفهوم العقوبة والاصلاح، ولم يتعرض المشرع الى جرائم المعلوماتية التي يرتكبها الاحداث، ومن يتمعن في نصوص المشرع يلمس ركاكة صياغة النصوص القانونية، ويشعر انها كتبت على عجالة وبقصد انتقامي لا ينسجم مع السياسة القانونية التي يتم اعتمادها في الوقت الحاضر، صحيح اننا بحاجة لقوانين تعالج قضية الخروق والتجاوزات والجرائم المعلوماتية، الا أننا نتمسك بضوابط ما يوفره الدستور من حقوق وحريات، واننا بحاجة لمراعاة حقوق الانسان والمعاهدات الدولية بهذا الصدد، ولذا فان القانون ينبغي عرضه على الجهات المختصة لدراسته بشكل اكثر عمقا وترويا، واشراك منظمات المجتمع المدني وملاحظة النقد والاشارات التي تبين الثغرات والسلبيات 
فيه. 
وهذه المسودة بما وردت فيها بحاجة لرأي الجهات القانونية والقضائية المختصة، وبحاجة لأن يتم تشخيص النصوص المنسجمة مع الواقع العراقي، وبما يجعل من استعمال التكنولوجيا وسيلة ممكنة وسهلة معتمدة في حياة المواطن العراقي، بدلا من تعقيدها ووضع نصوص وخطوط حمر ومفخخات في مواجهة الاستعمال.