عبثية سارتر وسلطوية فوكو

ثقافة 2020/11/30
...

عبد الكريم البرزنجي
 
والوجودية تحتضر، سارتر الذئب العجوز ينشر (نقد العقل الجدلي/ 1960). هاجمه الأصلع الشرس فوكو: سارتر بمواجهة التاريخ باعتبارهِ عبثيَّاً، أراد إظهار أنَّ المعنى موجود على عكس ذلك في كلِّ مكان، ولكن هذا التعبير في الوقت نفسه: كان إثباتاً وأمراً، كان توجيهاً. 
العجوز يقدِّمُ تفسيراً على أنَّهُ إثبات، والتفسير حتى إذا كان مقنعاً ومنطقيَّاً لا يملكُ إلا أنْ يكون توجيهاً وأمراً. (ليس للتاريخ معنى أو اتِّجاه، وذلك لا يعني أنَّهُ عبثي أو غير
 متناسق). 
المَعْتَبَة بينهما قديمة، فماذا يعني انعدام المعنى غير العبث؟ معرفة معنى التاريخ أو فهمه يعني، سهولة التنبؤ بحركته المقبلة، وبسبب عدم فهم فوكو وسقوطه أسيراً بين جدران العبث السارتري، قرر الانتحار، في محاولته الأولى، سألهُ صديقه: إلى أينَ ذاهب؟ فردَّ بلامبالاة: إلى السوق أشتري حبلاً أشنقُ به نفسي، لماذا يعيش في عالمٍ خالٍ من الهدف والمعنى؟ بلا جذور، ضائعاً بلا معنى، وأفعاله وأقواله بلا معنى. 
سؤال موجَّه من دريفوسورابينوف (إذا كان علينا أنْ نخلق أنفسنا بأنفسنا دون الاستعانة بالمعرفة والقوانين العامة، فبماذا يختلف تصوركم عن وجودية سارتر) قال فوكو في جوابهِ (عند سارتر توتر بين مفهوم معين للذات وأخلاق معينة للصدق.. يجب أنْ ندرك بأنَّ العلاقة مع النفس مبنيَّة كممارسة يمكن أنْ تكون لها نماذجها ومطابقاتها واختلافاتها إنما أيضاً ابتكاراتها، فممارسة الذات هي ميدان معقد ومتعدد العناصر).
سارتر قبل رحيله، كان قد فقدَ الكثير من حماسته، جرَّاء ملاحقة منتقديه، فتوقف عن الرد، وهو عين ما حدث لفوكو، إذْ وقفَ أمام منتقديه الأكاديميين معترِفاً بالأخطاء التي ارتكبها (أنا مُجرَّد نيتشوي) طرحَ أسئلته الخاصة. معترفَاً بأخطائه بينما سارتر اعترفَ بعجزهِ (لقد تخليت عن سلطتي ولكن لم أترك ثوبي: إنِّي ما زلت أكتب، وما الذي يمكن عمله غير ذلك؟ لا ينقضي يوم دون أنْ أخطَّ سطراً، هذه عادتي ثم إنَّها مهنتي. لقد حَسبتُ قلمي سيفاً زمناً طويلاً، وإنِّي لأعرف الآن عجزنا.. إنَّ الثقافة لا تنقذ شيئا
ًولا شخصاً). 
ويتساءل سارتر (ماذا تساوي روايتي الغثيان أمام طفل يموت جوعاً في أفريقيا؟) في اللحظة والتَّو، ليس بمقدار كل ما طبعته بيروت من علوم وآداب أنْ يقدِّمَ شيئاً لضحايا بيروت  في6 أغسطس!
ورداً على سؤال شابسال (عَلَّمَنا سارتر الحرية، وها أنتم تخبروننا بألا وجود لحرية تفكير حقيقية؟) أجاب فوكو (إننا نفكر داخل فكر مغفل وقاهر وهو فكر عصر معين ولغة معينة... ومهمة الفلسفة تكمن في الكشف عن هذا الفكر السابق للفكر، وعن هذا النسق السابق لكل نسق) فوكو يرفض أيَّة مرجعية خارجية للخطاب! لكنه رغم ذلك يربطه بالمؤسسة والسلطة
 كمرجعية.