الأنموذج المفقود

آراء 2020/11/30
...

 رعد أطياف

لا يمكنك أن تصدّر أنموذجًا مقنعًا ما لم يكن واضحا وجليا في سلوكك. بمعنى، أن النظريات لا تحسّن من حياتنا 
المعاشية!. 
فالسواد الأعظم من الناس ينتظر الأنموذج الملموس، ولا ينتظر الجمل الشعرية الرنانة. الناس تصرخ بصوت عالٍ: نريد المأكل والملبس والمأوى، في حين يصرخ بعض السلطويين: نريد منكم الإذعان والقبول والمشروعية السياسية حتى لو لم تحصلوا على الأنموذج!. 
أذكر في عقائد الأمامية، ثم وظيفة ثابتة للإمام، وهي دور الأسوة والقدوة لكي يترجم الدين في فكره وسلوكه ويراه الناس قولًا وفعلًا. 
وبحسب معرفتي المحدودة، لم يتطاول احد من المذاهب الإسلامية على أئمة أهل البيت واتهامهم بالكذب والفحش والانغماس في الدنيا. 
ولم يُسمع أنهم تحزبوا لأحد بحجة الصلة المذهبية، بل كان الجامع والمعيار المشترك العام هو الخلق النبيل، ولم يكسب أهل البيت هذه المحبة جزافاً، بل كانوا أنموذجاً ملموساً تراه الناس وتلمسه في حياتها اليومية. 
إن جوهر الأديان كما هو شائع ومقبول لدى المتدينين بشكل عام، هو الأخلاق، ولا نعني به علم الأخلاق!، بل السلوك المترجم على أرض الواقع. 
والأخلاق ليست تصورات تجريدية، بل هي سلوك معاش. ومن تطبيقات الأخلاق، هي رفع المعاناة عن الناس، وهذا العمل الأخلاقي هو أقدس ما يقدمه المرء للآخرين. 
وبهذا الاختبار يمكن فهم الدوافع العميقة، لكل من يتخذ من الدين سلوكًا جوهريًا في الحياة، خصوصاً إذا كان في أعلى هرم السلطة، كيف يكون الشخص مصدر قبول ونفور؟ بمقدار ما يتحلى من أخلاق ويترجمها في سلوكه على شكل أنموذج نافع للناس. 
وفي وضعنا السياسي، نجد الناخب المتدين تحول إلى فاعل سياسي، لكنّه يتناسى جوهر الدين في سلوكه العام؛ إذ تحول الفعل السياسي في وضعنا الراهن إلى مناكدات مملة ومقبضة، غايتها الوصول إلى السلطة فحسب، متناسية حقيقة جوهرية، وهي ترجمة الأنموذج على الأرض، ومنها المطالبة 
بالحقوق. 
أتذكر عبارة للباحث الإسلامي الأستاذ حيدر حب الله، مفادها: بأن القضية لا تتوقف على البراهين المنطقية التجريدية، وإنما تحتاج إلى أنموذج ملموس على أرض الواقع، ذلك أن السبك المنطقي المحكم، لا يغير من الواقع شيئاً طالما يفتقر الناس إلى أنموذج ملموس. 
ترى هل يدرك القائمون على السلطة هذه الحقيقية، ويبرهنون لخصومهم أنهم يمتلكون الأنموذج الملموس؟.