عادل الصويري
قرأت قبل فترة حواراً مع الروائي والكاتب السوداني (الحسن بكري) عن آلية اختياره لعناوين رواياته، وقد أدهشني اعترافه بأنه في بعض الاحيان يشعر بالملل من العنوان، وأنه يحس بعدم انسجامه مع متن الرواية في أحايين أُخر.
كلام الروائي السوداني يستفزنا مجدداً؛ لنعيد الحديث عن العنونة وقصديتها في المنجز الإبداعي بوصفها «عتبة نصية أولى» بحسب التعبير النقدي، أو بوابة أولى لدخول عوالم النص. لكن هل هناك اهتمام فعلي وجدّي بالعنوان وفق التصورات النقدية؟
خلال السنوات الأخيرة؛ لاحظنا أن الاهتمام بالعنوان يبدو نسبياً متبايناً، ويمكن تقسيمه إلى نوعين:
النوع الأول – وهذا يحدث غالباً في الأعمال الشعرية – يعمد الشاعر فيه إلى اجتزاء جملة واردة في قصيدة معينة، أو اختيار عنوان لإحدى القصائد؛ ليكون عنواناً لكتابه، وهذا يعني أنَّ الشاعر لم يبتعد عن الآلية الكلاسيكية في اختيار العنوان.
أما النوع الثاني، فيميل إلى عناوين ترويجية لا وظيفةَ لها سوى عمل الدعاية الاعلانية من خلال غرابة العنوان، من دون أن تكون لهذه الغرابة أي دلالة أو طريق تؤدي إلى النص وظروف كتابته.
وقد غاب عن الفئتين السابقتين وصف (جيرار جنيت) للعنوان بأنه: «مجموعة من العلامات اللسانية التي يمكن أن توضع على رأس النص وتحدده، وتدل على محتواه؛ لإغراء الجمهور المقصود بقراءته».
وهنا يكون فعل الإغراء الذي يمارسه العنوان بالنسبة للفئة الثانية الميّالة للعناوين الترويجية يتلاشى بمجرد التوغل في متن النص، والذي سيكون بعيداً جداً عن العنوان، فيكتشف القارئ فيما بعد أنَّ الكاتبَ مارس فعل المراوغة والخديعة؛ لاجتذابِ قارئه لمنجزه.
والكاتب يكون على خطأ حين يقوم بالاستهانة بذكاء المتلقي، عبر تقديمه عنواناً ترويجياً يخلو من الطاقة، فقد زادت أهمية العنوان عند المتلقي، إذ إن دلالات العنوان وإشاراته تعلق في ذهنه، لذلك فالقارئ يقرأ العنوان والنص معاً ممارساً عملية الربط بين العنوان وبين متن النص.
وهناك بعض الأعمال الأدبية – قصائد شعرية - تخلو من العنوان، وهي رغم قلتها إلا أنها شكلت ظاهرة جديرة بالتتبع والاستفهام عن السبب الذي جعل الشاعر يستغني عن قيمة العنونة. وهذه الظاهرة يمكن ملاحظتها حتى في الأزمنة الحالية، وغير مقتصرة على القصائد الشعرية التي لم تظهر لها عناوين في القرن التاسع عشر.
نعتقد أن الشعراء الميالين للاستغناء عن العناوين يراهنون على طاقة العبارات الشعرية الواردة في النص، فضلاً عن رهان الكاتب على ما يمكن للمتلقي اكتشافه من أنساق مضمرة تسببت في إنتاج النص، هذه الأنساق قد تحل بديلاً عن العنوان، وفي هذه الحالة فقد يكون النقد الحديث مطالباً بدراسة ما يمكن أن نصطلح عليه بـ (سيميائية الأنساق المستغنية عن العنوان)، وهذا طبعاً في حال صار الاستغناء عن طاقة العنوان، والاكتفاء بطاقة الكلام والصور الشعرية، ظاهرة كبيرة وليست مختصرة.