د.نازك بدير*
لعلّ وجود عوامل غير ثابتة في المنظومة الحياتيّة التي تعيشها الأفراد والجماعات يتطلّب في كثير من المحطّات تحديد نقاط ارتكاز واضحة، ووضْع أولويّات تنسجم مع المرحلة المقبلة، ورسْم أهداف دقيقة تتناسب وطبيعة المواقف المستجدّة.
هذا الأمر لا يتوقّف عند حدود شخص بعينه، إنّما تتّسع دائرته ليشمل المؤسسات والحكومات والدول، وكلّ مَن هم في موقع مسؤولية.
لكن، متى تفحّصنا الواقع عن كثب، ونظرنا إلى حقيقة ما يجري، وجدنا هوّة شاسعة تفصل بين الحاجات من جهة، والقرارات التي تُتّخَذ للمعالجة من جهة ثانية؛ ثمة انزياح عن خارطة الطريق، وانجراف عن جادة الصواب، وسير في الغالب باتجاه قرارات تتّسم في الأعمّ بالتسرّع.
ولعلّ ذلك يعود إلى أسباب عدة، منها المعرفة السطحية بحيثيّات الموضوع وتفاصيله، إن لم نقل غياب تلك المعرفة في كثير من الحالات نتيجة تعيينات المحسوبية وغيرها، فالمسؤول في موضع القرار، غالبا ما يفتقد إلى المؤهّلات اللازمة، التي تخوله البتّ في شؤون الإدارة كما ينبغي. وأحيانا، يتمّ أخذ القرارات بطريقة تراعي المصلحة الفردية وتتجاهل المصلحة العامة والمصلحة العليا للمواطن والدولة، وفِي كثير من القرارات، سواء على المستوى الحكومي أو على المستوى المؤسساتي، تُجانِب عمق الأزمة وتتجاهلها، وبدلا من توجيه الطاقة والقدرة نحو المشكلة الأساس والبحث في أسبابها، واتخاذ القرار المناسب بشأنها، ما يغلب في واقعنا الراهن هو ترْك مصير العباد والبلاد رهْن التقلبات، التي لا تخضع إلى معايير منطقية، ولا تستند الى أحكام مدروسة، لذلك لم يعد المواطن يتوقّع من المسؤول، كائنًا من كان، سوى المزيد من القرارات التي تفضي إلى التّخبّط والفوضى والرجوع الى ما دون الصفر.
أن تفقد الثقة بموضع القرار، أن تهتزّ هذه العلاقة الأفقيّة بين الذات والآخر، في ظلّ واقع يتأرجح يوميًّا على وقْع ضربات اقتصادية وسياسية وعسكرية وصحيّة، كيف لهذه الذات أن تعيد لمْلمة أشلائها، في عالم يتشظّى في صراع أبديّ بين مَن يتّخذ القرار، وبين البحث عن القرار؟
*كاتبة واكاديمية لبنانية