لو استوقفتَ أيّ شابٍ في الشارع، وقلتَ له: هل تعرف محمود درويش؟ لقال لك خلال لحظة واحدة: أعرفه طبعا! وإن سألتَهُ، حدّثني عنه، سيقولُ لك: هو القائل «الموت لا يُزعجُ الموتى، الموتُ يزعجُ الأحياء»، أو «أتيتُ ولكني لم أصل، وجئتُ ولكني لم أعد»، وغيرها من الاقتباسات التي تواجهنا في السوشيال ميديا على مدار اليوم، بطريقةٍ ظاهرُها انتشار المفردة الثقافية، والجملة الشعرية، وباطنُها تحطيمٌ للشاعر الكامل، والكاتب الكامل، و»الكامل هنا» أعني متنه العام، لا ما يصلح ليكون تغريدةً أو منشوراً.
جعلت السوشيال ميديا المحتوى الثقافي محتوى «ساندويتش»، ليس مهماً أن يكون لمحمود درويش ستة مجلّدات ضخمة، أو لنزار قباني 8، أو للجواهري 5 عملاقة، المهم ما يدورُ على الألسن، البيت والبيتان اللذان يكادان يمحيان سيرة سبعين أو ثمانين عاماً من كل كاتب، وكذا الحال مع نجيب محفوظ، ديستوفيسكي، شريعتي، وحتى فرج فودة وجلال عامر.
الصورة الثقافية صورة مُجتَزأة، تحكمها تصوراتٌ أخرى، ورغبات أخرى بالقراءة، غير معرفة المتن الكامل، فالجواهري مثلاً مُجزّأٌ، يقرأُ الشيعة «آمنتُ بالحسين»، ويكتفي المتظاهرون بـبيتين في «فتيان الخليج»، أعني «سينهضُ من صميم اليأس..»، بينما يحب الكرد «قلبي لكردستان، والشيوعيون «في مؤتمر المحامين»، وليذهب باقي المتن الى حيث!
ما يحدثُ هو عدم التعريف الكافي بالمتون الكاملة، فضلاً عن عدم توفرها من جهة، وغلائها من جهة أخرى، ولهذا تكون التجربة السردية الهائلة، أو الشعرية، مجرّد سطور عائمة في نهر الفيسبوك، مثل أسماك صغيرة.
تحديدُ المنجز الأدبي بمقطع فيديو هنا، واقتباس هناك، أو صفحة بجانبها كوب قهوة، يُضرّ كثيراً بالقراءة الشاملة، السياقيّة، التي تجعل القارئ بالتالي يفهم الكاتب وحقبته وما يتعامد معها ويتقاطع، أغلبُ مَن ينشرون درويش ربما يظنّون أن ياسر عرفات لاعب كرة قدم، أو أن سميح القاسم إمام مدفون في طريق بغداد – الحلة!
الشبابُ والقراء عامةً، بحاجة إلى طبعات شعبية، كما فعلت مصر، ومن حقهم أن يقرأوا فلاناً كاملاً، وأن يصل لهم عبر الإعلام، وحتى في السوشيال ميديا، لأن درويش لو عرف أن ما تبقى منه بالعموم هي سطور متناثرة هنا وهناك، ومقاطع فيديو معينة لا تتضمن أفضل ما كتب، لما قال في «جدارية»، مطوّلته الباهرة «هزمتُكَ يا موتَ الفنون جميعها!».