في حداثة التصوف الإسلامي

آراء 2020/12/06
...

   أ.د. نجاح هادي كبة 
 
تاريخ التصوف موغل في القدم فله اصول مسيحية وزرادشتية ويونانية قديمة وهندية، ثم عربية اسلامية واختلفت الاراء في تعريف التصوف لكنها تجمع على انه صفاء نية المتصوف وابتعاده عن المذموم من القول والفعل والتمسك بالمحمود وتقليد صفات الخالق ثم الذوبان الروحي فيه، وقد عبر الحلاج عن ذلك بقوله ( نحن روحان حللنا بدنا ) ولا بد من القول الى ان التصوف ايديولوجية اخذت خلال مسيرتها بالعقل والفلسفة واستندت الى الحواس والقلب، وتماهت مع مبدأ الحداثة الذي لا يتعارض مع معتقداتها، فالحداثة لا تقاس بالزمن بل تقاس بالعقل كما يقول ادونيس فليس كل قديم قديما وليس كل حديث حديثا ذلك، لأن فلاسفة الصوفية بلوروا ( في هذا الدور ثلاثة اتجاهات هي: نظرية في المعرفة ونظرية في الوجود ونظرية في الانسان وحالاتة النفسية ) « ابن خلدون، المقدمة، المكتبة التجارية الكبرى، بلا مصر 473 - 474 « فمن افكارهم التي تتلاءم مع تيار الحداثة وما بعد الحداثة أنهم يرون أن ( في الاختلاف بين الاديان مجرد اختلاف في المظاهر ليس الا، اما في الحقيقة والجوهر، فكلها تسلك طريقا الى الله، والغاية واحدة! وقد عبر محيي الدين بن عربي (1165 – 1240 م ) عن ذلك بقوله نثرا: ان كل الاعتقادات الدينية صحيحة، لان في كل طائفة شيئا من طبيعة الله، ونظما بقوله: 
عقد الخلائق في الاله عقائدا وانا اعتقدت جميع ما اعتقدوا 
 « التصوف بين الفقه والايديولوجيا، د.سهيل عروسي ، وزارة الثقافة السورية، دمشق، 2015، ص:6 « ولاشك في ان فكر الحداثة وما بعد الحداثة و مابعد الكولونيالية قد اهتم بالمهمش وابتعد عن المركز ودعا الى الحرية والديمقواطية في مجتمع ما بعد صناعي واحترام حقوق الشعوب، لاسيما الضعيفة ودعا الى السلام والتآخي بين الشعوب والاديان المختلفة، وقد بحث المتصوفة في المطلق والازلي ونظروا للانسان نظرة حداثية في تفضيل الفكر على الجسم تلك القضية، التي شغلت بال الفلاسفة قديما وحديثا، فالصوفي له من الحرية ما تخلصه من رق العبودية نحو المطلق لانه ( يستطيع ان يعبر عن نفسه عن طريق هذا الوعي مما يبدو انه يعيش حالة تناقض جوهري)» ما الصوفية، مارتن لانغ، ت : فاروق الحميد، دار الفرقد، دمشق ، ط1 ، 2014 ، ص:11» ( فالتصوف مفعم بعبق الحب ، حب الانسان والطبيعة والكون برمته، اي بعبق مفتقد فعلا بين الناس بسبب اجتياح الجشع والمصالح المادية للمجتمعات، التي نشأ فيها التصوف) « التصوف بين الفقه والايديولوجيا ، المصدر السابق ، ص: 13 - 14 » . ومن حداثة الصوفية في اثناء مسيرتها معارضتها للسلفية التي تمثلت بحكم بني امية وبني العباس فهم يعدون كالقرامطة والخوارج والحركات الثورية كثورة الزنج وغيرهم الذين عارضوا نظام الحكم القائم انذاك ودعوا الى قيام نظام حكم قائم على الحرية وارادة الجمهور ( وفي مجال الادب الرفيع، فقد استحدثوا بلغتهم الصوفية ومصطلحاتهم الخاصة، انماطا ابداعية مختلفة تماما عن الشائع والسائد، وتمكنوا من صياغة الشكل الاشمل للتعبير عن عذابات الانسان عموما، في مواضيع الحيرة والقلق والتأمل والرمز والايحاء والبحث عن المطلق والازلي وكان اهتمامهم بالصيغ التعبيرية في كل ذلك يشكل نظرة خاصة لمفهوم علم الجمال في الفكر الانساني ) « فلسفة التصوف ، عبدالقادر ممدوح ، دار الشؤون ، بغداد ، ط1 ، 2007م ، ص:62 « وبناء على ذلك فان اودونيس بحث عن العلاقة بين الصوفية والسوريالية ووجد في السوريالية مرأة للصوفية لانهما يشتركان في اتجاهات عديدة ( فالاتجاه الى الصوفية املاه عجز العقل عن الجواب عن كثير من الاسئلة العميقة عند الانسان واملاه كذلك عجز العلم، هو نفسه مما سوغ نشأة السوريالية، فدعوى السوريالية الاولى هي حركة لقول ما لم يقل، او ما لا يقال ومدار الصوفية – كما يفهما ادونيس – هو اللا معقول اللامرئي اللامعروف ) « ادونيس ، الصوفية والسريالية، دار الساقي ، ط4 بيروت ، 2010 ، ص :11 ويعد الحلاج صاحب صوفي حداثي فهو قد جمع بين الدين والسياسة كما يقول كامل مصطفى الشيبي، وقد مثل الحلاج الثقافة العملية وفضلها على الثقافة النظرية وضحى بحياته في سبيل ذلك وكسر النمط الثقافي المألوف، فدعا الى الحج بالدوران حول البيت بدلا من الذهاب الى مكة وتوزيع اموال الحج على الفقراء والمساكين وغير ذلك من الاراء، فكان فكره جدليا غير استاتيكي عليه مسحة حداثية.