ما بين فاعلية «النقد» وغيابه

آراء 2020/12/07
...

 
 رزاق عداي
 
القاعدة السلوكية الفاعلة دائما في المجتمعات الغربية، والتي لن تعجز عن ممارستها، متفاخرة بها حد التبجح، كونها هي المؤسس لها في الحياة المعاصرة، تلك هي ممارسة» النقد» لجميع تجاربها ولمختلف شؤون الحياة.
ويوصف الفكر الغربي بانه - نقدي- اي انه يوجه النقد الى الآخر ويتقبله منه على حدِ سواء، ويقرأ تجاربه بعمومها، مسلطاَ الضوء عليها في دائرة النقد، لاعتقاد منه ان هذا النهج هو السلوك القويم للتجدد والانطلاق ثانية، ودائما يحلو للغرب، تميزا منه عن الاخر الحضاري، ان يدعي ان ثقافة - النقد- هي قدره، بربطها اولا بخطاب نقدي ومن ثم بممارسات جزئية وكلية، ولاحقا راحت كل المنظومات الفكرية والسياسية ( وفي مقدمتها تجارب انظمة الحكم ) والاقتصادية، كلها تخضع الى قاعدة النقد والمراجعة، كتقليد لا مناص منه، اي ان النقد بات يخوض في الفضاء العام بتنوعاته، ابتدأ النقد في الفكر الغربي مع انطلاق الاصلاح الديني في اوروبا القرون الوسطى، ويعتبر الاوروبيون هذه الفترة هي الاهم في مسيرة التقدم الانساني الافقية قاطبة، لانها توجهت الى نقد الخرافات والاساطير التي كانت تكتنف اغلب تفاصيل حياته، فحررته، مكرسة ذاته، الفاعلة، ككينونة مستقلة بذاتها ازاء ظواهر الوجود. 
استمر مشروع الحداثة الغربية - الذي لم يكتمل بعد- على حد تعبير - يورغن هابرماز- بمفهوم يتمفصل مع فكرة ان التاريخ في جدله العام، انما هو حركة الى الامام بالارتكاز على العقل، فمنذ قرون ثلاثة تحول مفهوم النقد الى قاعدة سلوك عملية، في كل الميادين، لاسيما عندما تتفاقم الازمات على مختلف صنوفها، من دون ان يكتفى بهذا، انما وظفت الازمات كمنطلقات ومثابات لتحقيق التطور عبر رؤية تتمعن وتتفحص التجارب الماضية، بغية نقدها، لايجاد بدائل تدرس الخطأ فيها،ليستبدل بجديدٍ متقدم على
 الدوام.
اما لو اننا افترضنا ان الشرق هو ما يقابل الغرب على مستوى المفاهيم والقواعد والبنى، فالكثير من المنظومات الفكرية والخطابات عند الاول بتنوعها، لا تتقبل النقد لصلابة متونها، ودائرية مسار تفكيرها، وارتداده الى الماضي دائما، وقد انعكس هذا بالضرورة على واقعها السياسي المتازم على الدوام، يوصف الواقع السياسي العراقي، بانه متجدد الازمات ومتفنن في ابتكارها، ويصنف العقل السياسي ( اذا كانت ثمة ماهية له بهذا المعنى) الفاعل في هذا الواقع، بأنه يخلو تماما من فعالية النقد، حين يقوم بتدوير كل أزمة، ويعيد استنساخ تجاربه القديمة، مع معرفته انها فاشلة، وكانت السبب في ما هو عليه اليوم، ومن اغرب تجلياته انه على دراية بمسببات الازمات، ولكنه يصر دائما على تكرارها، مدورا اياها، فمن معرفته مثلا ان المحاصصة هي اساس الفساد والتكريس الطائفي هو بيئة المحاصصة، يبقى دائرا ضمن مدار الدائرة ذاتها، يعود اليوم الى خطاب البيوت الطائفية لترميمها بعد ان تصدعت!، وما هذا الا عودة صفرية الى المربع الاول، تحت خيمة يافطات عدة، اقل ما يقال عنها بانه متخبطة.